قد يصب بعضهم عتبه ولومه على الحوزة العلمية ورجالاتها، والتي تراجعت وبشكل ملحوظ في السنوات الاخيرة عن مسار عملها وهو التبليغ والارشاد والهداية
وهذا اللوم صحيح لا محالة ولا شوب فيه ولا شك على الاطلاق، بل لعلي اضيف عليه عتبا اخراً غير ذلك، من حيث كون من تبقى منهم ولم يتراجع عن الاصلاح والصلاح فهو يتبع الاساليب القديمة التي ما عادت تثمر ولا تنتج بل لعلها تنفر الاخرين بعض الشيء ولا سيما مع ما يرون من الجانب الاخر - اعني به الجانب الانفتاحي التسافلي - من مغريات.
حتى انني سمعت من السيد الصدر القائد، انه حينما يبعث او يكلف (المعممين) او قل احد طلبة العلم بعمل سياسي او اجتماعي او ما شابه ذلك فان القبول والرضا هو المتوقع اكيدا اما اذا اوكل له امر الارشاد والصلاة وما الى ذلك مما هو موكول للحوزة وطلابه فانهم يرفضون.
نعم على الحوزة ان تنهض وبثوب جديد بعيدا عن كل المصالح الدنيوية وبعيدا عن كل الاهواء والادعاءات الباطلة لتعيد لنا امجاد العلماء الناطقين الذين ما ارادوا علوا سياسياً او فسادا او تسلطا وانما اسلمة المجتمع قبل اسلمة الساسة والحكام
ومع ذلك كله، فانه لا ينبغي حصر اللوم والعتاب كله وتسليطه على الحوزة ورجالاتها، بل ان هناك دواعي كثيرة لان نعتب على عوام الناس ومن هم من خارج الحوزة الذين تناقص وبشكل ملحوظ اقبالهم على حوزتهم وعلمائهم ومضايف علمائهم ومكاتبها بل الاعم من ذلك مما لو ان مجلسا للعزاء وبدون عدسة فضائية فانهم لا يحضرون وكذلك أفل اقدامهم على الكتب والمؤلفات الحوزوية المثمر منها والمفيد فما عدنا نراهم يتجمعون من اجل السؤال عن دينهم او اول شهرهم من صيام او افطار او حج او ما الى ذلك
وليس هذا فحسب بل ان المساجد تشكو لله من قلت روادها ومصليها سواء في الجمعة او الجماعة متحججين بحجج واهية لا تنهض بالمطلوب.. وصار اقبالهم على امور دنيوية فتراهم يصطفون بالمئات بل الالوف لاجل الانخراط بالمناصب او كسب قطعة ارض او غيرها كثير
نعم، انها ان خليت قلبت، فان هناك ثلة قليلين لازالوا يقبلون على ذلك ويتهافتون على الجهاد غير مرعوبين من الموت والعدو، نسأل الله ان يحميهم ويثبتهم على القول والعمل الصالح، بيد ان هذه الثلة القليلة غير كافية في هداية المجتمع ورفع البلاء عنه.. وبات القابض على دينه كالقابض على جمرة من النار - وانا لله وانا اليه راجعون -.
والمخيف بالامر ليس اقبالهم على الدنيا فلعلهم محتاجون بعض الشيء الى ذلك وهو يعملون لدنياهم كأنهم يعيشون ابدا.. بل المخيف انهم لا يعملون لاخرتهم كأنهم يموتون غدا على الرغم من انتشار الموت واحتماله في كل لحظة كما هو واضح في عراقنا الحبيب والادهى ان هذا الاقبال على الدنيا بات متعارفا وممدوحا غير مذموم وسيكون تدريجياً هو الاوحد - لا سمح الله -.
لذا على الجميع ان يحاسب نفسه ويلتفت قليلا الى الطاعة والعمل الاخروي الصالح قبل ان يُعاتَب، بل يجب ان يصلح نفسه قبل اصلاح الاخرين وان يعاتب نفسه قبل عتاب الاخرين وقبل عتاب الحوزة فان الله ما خلق الخلق الا ليعبدوه فهلا تبتم ورجعتم اليه لعلكم تفلحون
والا ضاع الحق بين تقصير الحوزة وقصور المجتمع التدريجي... ولقد اعذر من انذر