المكتب الخاص/ كتابات سماحة السيد مقتدى الصدر
من كتاب (منهج العقيدة) " وهو كتاب عقائدي عبارة عن اسئلة واجوبة مجاب عليهامن قبل سماحة السيد" .
يقال: إن الركائز العقائدية وخصوصاً التوحيد موجودة في فطرة الإنسان، كيف يكون ذلك وما المقصود بالفطرة؟ وما معنى قول الإمام الباقر(ع): (فطرهم على التوحيد عند الميثاق على معرفته انه ربهم)؟ .
بسمه تعالى: يجاب على هذا السؤال بعد أن نوضح أمرين:
الأمر الأول: الفطرة: وهي لغوياً الإيجاد والخلق، فعندما يقال: فطر الله الخلق، أي أوجده وابتدعه من العدم جل جلاله. ومنها فاطر السماوات والأرض: وتعني أوجدهما واخترعهما من العدم وابتدعهما ابتداعاً، أي أنشأه على غير مثال سابق. فهو سبحانه وتعالى المبدع أو البديع والخالق والفاطر، كلها من أسمائه الحسنى التي لا يتصف بها غيره بالذات، قال تعالى: {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وقال عز من قائل: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} .
الأمر الثاني: الميثاق، قال تعالى: {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ} فالميثاق لغةً هو: العهد، وهنا بمعنى عهد الله، كما في قوله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ انه لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} وبطبيعة الحال فنقض العهد والميثاق أمر قبيح، فالمطلوب الايفاء بالعهد.
ومن ثم نقول: إن كل إنسان مفطور على أمور توصله إلى السعادة والكمال والتكامل، والى كل ما يسد نواقصه وعيوبه، ثم اعلم أن الله ما خلق الخلق إلاّ للكمال والعبادة، فقد قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، ولا يمكن أن يخلق الخلق لغاية كهذه الغاية العظيمة، ولا يغرز فيه الأدوات والغرائز والحواس التي تساعده على هذه الطاعة أو العبادة، فإن عدم إعطائه المقومات قبيح منه جل وعلا. ومن هذه المقومات قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}، أي أنه جل جلاله غرز فيه التوجه للدين، ومنه قوله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}، فإن الله سبحانه وتعالى حينما غرز في الإنسان التوجه للدين فانه حدده بصفة الاعتدال حينما قال: (حنيفاً) أي معتدلاً، كما فسره صاحب الميزان(قد).
ومما هو معلوم لدينا أن المقصود بالدين هنا الإسلام، فقد قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ}، وكما قال سيّد الموحدين أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب(قد): ((إن المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه ولكن اتاه من ربه فأخذه))، إذن لا يمكن للإنسان أن يتحكم بدينه واختيار ما يناسبه، بل إن
الفطرة هي من لا تغير له ذلك الدين.
هذا وإن من أهم مقومات الدين وما يجب الالتزام به أمام الله هو ما عهده إلينا نحن البشر، ألا وهو: التوحيد، فقد قال تعالى في كتابه العزيز: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} والاخلاص لا يتم إلاّ مع التوحيد، وأما الشرك أو الاشراك فهو ينافي الاخلاص والصفاء بطبيعة الحال. فيكون المقصود من الفطرة – التي فطر الله الناس عليها – التوحيد.
ومنه يتبين قول الامام الباقر(ع): ((فطرهم على التوحيد عند الميثاق على معرفته انه ربهم)) فيكون المعنى: إن الله خلق الخلق وفطرهم قبل هذه النشأة على الدين المتوقف على توحيده والاخلاص إليه عندما أخذ منهم الميثاق والعهد بانه ربهم لا يعبدون غيره، وانهم إليه يرجعون وله يعبدون وعليه يتكلون، حيث قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ** أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}