الرئيسية | | كتابات سماحة السيد | مقدمة كتاب "المرأة في فكر الشهيد السيد محمد الصدر" : من كتابات سماحة السيد

مقدمة كتاب "المرأة في فكر الشهيد السيد محمد الصدر" : من كتابات سماحة السيد

عدد القراءات : 90427

 

 

المكتب الخاص/ كتابات سماحة حجة الاسلام والمسلمين السيد مقتدى الصدر

مقدمة كتاب "المرأة في فكر الشهيد السيد محمد الصدر"


ليس الصراع صراعاً إسلامياً، وليس الاختلاف حول حقوق المرأة اختلافاً إسلامياً على الإطلاق، فإنه وإن تبنّت الشريعة الإسلامية السمحاء مسألة قوامة الرجل على المرأة إلاَّ أن هذه القوامة في ما خصه الله بالرجل من قوة الجسم والصبر والحنكة وغيرها من الصفات الخَلقية التي غرسها الله عزَّ وجلّ فيه.

ولعل هناك بعض ما خصّ الله به الرجل على المرأة من أحكام مترتبة على هذه الصفات - أعني الشجاعة و الحنكة- ومن هذه الأحكام الجهاد والنفقة وغيرها مما هو مسطور في كتب الفقه والرسائل العملية.

وحسب النظم الإلهية تكون المرأة مشعل العاطفة ومنبع الأحاسيس المرهفة ونهراً من الرّقة وفيض اللطافة، فهي النصف المشرق والوضاء المكلل بالحب والوفاء مما تحمله من معاني الأمومة والحنان وما تحمله من معاني الاحترام والخير للأبوة والأخوة وما تكنّه من العشق المتأصل بينها وبين زوجها الصالح والوفاء إليه كما هو وفيٌّ لها، وفوق تلك الصفات العظيمة خصّها الله غالبا بالجمال، فغمرها بصفة من صفاته، فإنه كما يقال: >الله جميل يحب الجمال<.

واستناداً الى القوانين الكونية والنواميس الإلهية العظيمة فإن البشرية مبنية على الرجل والمرأة وقد جُعل كل منهما سبباً في استمرار المسيرة البشرية والحياة الإنسانية عبر مرِّ الدهور، وخصّ كل واحد منهما بصفات لا يمتلكها الطرف الآخر آخذاً بعين الاعتبار في زرع كل صفة من صفاتهما العدل الإلهي الذي يحكم الكون بأجمعه، فلا ظلم في ساحته جلَّ جلاله وعلا شأنه، فوزّع عليهما الصفات ليقوما بواجبهما أمامه سبحانه وتعالى أولاً وأمام مجتمعهما ثانياً، وليطبقا الأطروحة العادلة بما لهما من صفات أو سلاح غرسه الله فيهما. قال تعالى في محكم كتابه العزيز:

{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} فهدف الرجل كهدف المرأة لا يختلف ألا وهو الكمال والطاعة والعبادة للحق جلَّ وعلا.

وليس العدل هو السمة الوحيدة التي كانت سبباً في توزيع الصفات واختلافها بين الرجل والمرأة، فهناك الرحمة واللطف الإلهيان اللذان غمر بهما الرجل والمرأة على حدّ سواء، فما أعظم اللطف الإلهي الذي جعل لكل منهما واجبه ورسم لكل منهما طريق تكامله, ولم يخلط الأوراق فتختلط الأهداف وبالتالي تختلط النتائج.

وأي رحمة ورأفة تلك التي غمر بها المرأة فجعلها جوهرة مصونة يحفظها الرجل ويعطف عليها ويكنُّ لها كل الحب والولاء؟ كيف لا وهي الأم والأخت والزوجة والبنت، بل القرينة له في إسلامه وإيمانه ودينه وعقيدته، تلك سنّة الحياة ومن يتعدّ سنّة الحياة يلقَ إثماً مبيناً، بل تلك صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة؟

جدير بالذكر أن الكلام المتقدم إنما هو على الصعيد الظاهري أما لو أردنا أن ندخل في ثنايا الباطن قليلاً من غير أن نتعدى على الأسرار الإلهية، فيمكن القول أن الرجل قد وهبه الله الكثير من الصفات التي تساعده على خوض غمار الباطن والبحار الإلهية والعوالم الربانية والأسفار الرحمانية، ومن هنا قد يقال ان ذلك قد يصعب أو يتعذر على المرأة التي لا تملك هذه المؤهلات.

لكن لا يخفى أن صعوبة الدرب ووعورة الطريق وقلة الرفقة ووحشة الوحدة والتجرد عن الأسلحة قد يكون ذا فائدة جمّة، فإن الحكمة في الباطن تقول: صعوبة الدرب تزيد من التكامل، إذن بعد أن عرفنا أن طريق الباطن صعب على المرأة فهذا لا يعني عدم جواز خوضها ثنايا هذا السبيل الإلهي، بل إن صعوبة دربها يجعلها مؤهلة للوصول الى الهدف أسرع من الرجل إلاَّ أن خطورة الزلل فيه والميل عنه أكثر واحتمالها أرجح.

ومن هنا فإن امتلكت المرأة الإرادة الكبيرة والحنكة اللازمة بواسطة التعلم والتكامل التدريجي فإنها ستكون مثالاً لمجتمعها من النساء، بل ومن الرجال في بعض الأحيان، لذا نسمع عبر مرّ التاريخ بالنساء الأربع الكاملات وبالأخص مريم بنت عمران÷ التي قال الله سبحانه وتعالى في حقها: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} وقال أيضا عزّ من قائل: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} ونستنتج من هاتين الآيتين أن المرأة تستطيع وبكل قوة وهمة وعزم وإصرار أن تكون من العابدين الساجدين الراكعين، بل الأمر أكثر من ذلك، فإنه سبحانه وتعالى يقول {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ} أي اختارك من دون النساء وجعلك من المصطفين، وهذا غاية الكمال في القرب من الله عز وجل.

ويزداد هذا المعنى قوة ووضوحاً وتأكيداً في سيدة نساء العالمين بضعة المصطفى فاطمة الزهراء الراضية المرضية (صلوات الله وسلامه عليها) فهي سيدة النساء على الإطلاق بعفتها وعلمها وعصمتها وحجابها وكمال دينها، حتى إنها لم تكُ تُكلِم الرجال إلاَّ من وراء حجاب فازدان بها الحجاب وعلت بها العفة وتفاخرت بها العصمة .

فيا نساء الإسلام ويا نساء العالم تلك أسوتكنَّ الحسنة فسرن نحوها وتكاملن بكمالها عسى الله ان يرفعكنّ مقاماً عليا.

و لا يخفى أيضا أن كل حامل للسلاح إن صح التعبير أو كل مالك لصفات الحسن يستطيع استعمال سلاحه أو صفاته بالخير تارة وبالشر أخرى والأول يسمى الكمال والآخر يسمى التسافل والانحطاط والزلل، قال تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا}، فإنه من أعطي القوة والهمة والصفات والمؤهلات واستعملها في موردها الذي أراده الله سبحانه كان حقاً على الله أن يجعله من المؤمنين المرضيين، ومن استعمله في الباطل والتسافل فقد احتمل إثما وبهتاناً عظيماً.

ولنتأمل هذا المعنى في هذه الآيات الكريمات:

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيماً * يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً * وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا}  فعلى الرغم من ان زوجات النبي | رضوان الله تعالى عليهن - هنّ المقصودات بصورة وأخرى بتلك الآيات الكريمة إلاَّ أنه يمكن التجريد عن بعض الخصوصيات لا كلها لتعميمها على جميع النساء اللاتي يرين الحق ويرين الباطل، ويستطعن الاختيار بينهما.

ولا ينبغي لنا التعمق أكثر من ذلك في هذه المقدمة المختصرة إلاَّ أنه لا يصح ولا يجدر بالمؤمنات أن يجعلن من الصفات الإلهية التي غرسها الله فيهنّ أداة لنشر الباطل فهنّ معرضات لوسوسة الشيطان كما أن الرجال معرضون لذلك، وكما هم يستعملون صفاتهم بالباطل كالذي يؤتى القوة وبسطة الجسم والعلم ولا يستعمله إلاَّ بالكفر والظلم والعدوان والإرهاب والاعتداء على الآخرين ونشر الشبهات والعياذ بالله.

في ضوء ذلك يتضح أن لكل من الرجل والمرأة صفاته الخاصة والتي ينبغي أن يستعملها في الحق والتكامل في درجات العلم والأخلاق إلاَّ أن هذا لا يعني بالضرورة أو قل ليس كاشفاً عن عدم وجود صفاة مشتركة بين الرجال والنساء. واختلاف أحكامهم في بعض الأحيان ليس كاشفاً عن عدم وجود أحكام مشتركة، بل نستطيع القول أن الرجل إن كان قيّما على المرأة في ما يختص بصفاته فان المرأة قيّمة على الرجل فيما يخصّها من الصفات.

وما ورد من نقد للنساء في بعض النصوص والروايات إنما هو للتنبيه والتحذير ليس إلاَّ، فإنه ورد الكثير من النقد للرجال أيضاً، فان كان نقد المرأة  يعني نقصها وسوءها فان نقد الرجال يعني نقصهم وسوءهم أيضاً!  وحيث لا قائل بالثاني فلا قائل بالأول.

ثم انه يجب الالتفات إلى أمر مهم آخر وهو أن تأثير المرأة في المجتمع قد يكون أكثر من تأثير الرجل فيه، وهذا من عدة جهات أو أسباب:

أولاً: إنها الوعاء الذي يحمل الجنين فهي ذات تأثير فعال على حياته فيما بعد بكل تأكيد.

ثانياً: إنها المباشر الأهم لتربية الأطفال في الغالب، وبالتالي يكون تأثر الأطفال بأمهاتهم أكثر من تأثرهم بآبائهم.

ثالثاً: إنهنّ المرضعات والمغذيات لبراعم المستقبل وهذا يضفي عليهم نوعاً من التأثير الايجابي أو السلبي على المدى البعيد في حياتهم المستقبلية.

رابعاً: لكونهنّ الشريك لحياة الرجل أو قل هي الشريكة لزوجها في التكامل أو التسافل والعياذ بالله.

خامساً: لها التأثير الكبير في محيط العائلة (نواة المجتمع) التي هي بدورها تكوّن المجتمع شيئاً فشيئاً.

وما إلى ذلك من أسباب تكوينية واجتماعية وغيرها.

ونحن نرى بأم أعيننا ما يجري في المجتمعات التي آلت المرأة فيها إلى الفساد والانحطاط والتميّع، وما إلى ذلك من نتائج سريعة في إفساد المجتمع وانحطاط الكثير من الرجال بسببهنّ، وأما في المجتمعات المحافظة والملتزمة فلا نجد مثل ذلك بطبيعة الحال.

ثم إن الشرع المقدس حين جعل شهادتها نصف شهادة الرجل فهذا يعني أنه رفع بعض المسؤولية عن كاهلها، وهو أيضا من باب الرحمة واللطف بها، فان رفع المسؤولية أفضل من وضعها كما لا يخفى، وإذا شرع تفضيل الرجل على المرأة في بعض الأحكام كما في القصاص وغيره، فانه إن دل على شيء فانه يدل على أن المرأة تمتلك الصبر والتضحية أكثر من الرجل من هذه الناحية، وأنها أكثر تسليما وطاعة لله وأحكامه في هذه الموارد.

كما أن فرض الحجاب على المرأة انما هو لصونها وتكريمها وحمايتها وعزتها وليس العكس، فأي محبة وعزة تنتج من أن يوافق الزوج على عرض زوجته أمام الرجال وهي سافرة أو كاشفة عن بعض جسدها؟! فانه لو أحبها بصدق لاستخلصها لنفسه ومنع الآخرين منها، وأي عقل يجعل المال أفضل من النساء فيستخلص المال لنفسه ويبذل نساءه لغيره؟!!

وأي من النساء لا تفضل أن يستخلصها زوجها لنفسه؟! فان هذا دليل واضح منه على محبتها وعشقها وعدم الرغبة بغيرها إلاَّ ما أحل الله، فان عمل المرأة موكول لها  ولها كامل الحرية في جميع أعمالها ما لم يستلزم منكراً  أو حراماً، فيكون الرجل عليها رقيبا كما أنها رقيبة على أعمال الرجل، إذ لو فعل منكراً صار لزاما عليها أن تردعه بما تستطيع إذا أصر على المنكر.

ولو كان الزواج الثاني للرجل على سبيل المثال فيه مظلمة للزوجة فهذا كافٍ لان يجعله غير مقبول شرعاً، فان تعدّد الزوجات مقيد ومشروط بالعدل والمساواة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فان عدم تجويز تعدد الزوجات أو عدم سنه سوف ينتج سفاحاً في أكثر المجتمعات، فان الرجل إذا استطاع الزواج ثانيا فهذا يمنعه من خيانة زوجته كما يعبرون، كما في المجتمعات الغربية التي يلجأ فيها الرجل إلى السفاح والزنا لعدم استطاعته الزواج ثانيا!  وفي كل ذلك فهو يجعل شريكة حياته بمنأى عن فكره وحبه وإخلاصه، وإلا لما فكر في أن يلجأ إلى المحرمات بعيد عن حليلته.

ولا يخفى أن الشرع قد جعل قيوداً وشروطاً وحقوقاً وواجباتاً مع تعدد الزوجات ان تعداها الرجل فهو ظالم ويقع الظلم على المرأة المسكينة، فكفاك أيها الرجل ظلماً لمن أحبتك، وان أردت سنة الله فهذا لا يعني أن تظلم شريكتك، فارضها أولاً ثم خذ قسطك من الدنيا وخذ ما أحل الله لك من الزوجات وإلا فاحجم.

سيدتي المرأة صوني نفسك تُصاني، وتقربي إلى الله تهتدي، والتزمي أوامر الله يهتدي مجتمعك، فان المرأة إن كانت محجبة مطيعة لشرع الله تعالى فهذا يعني أن الرجل سوف لن ينظر إلاَّ إلى حليلته، وبالتالي يعني بناء عائلتك على أسس قويمة ومتينة، فيبتني المجتمع على أركانه كما أراد الله.

تجدر الإشارة الى أني لم أكتب هذه السطور المتواضعة إلا عرفاناً بمكانة المرأة الصالحة في المجتمع وما يثمر عنها من خير في حياتنا الإنسانية، فهي المرأة التي حملتنا وهناً على وَهن، وهي التي شاركتنا أعواماً وسنيناً في كدح العيش، والمرأة التي شاركتنا في بلاءات المجتمع وصعوبات العائلة وغيرها.

فيا أختاه! هذه أسطر كتبتها عسى الله أن يجعلنا وإياك في كنف الهداية ونور العصمة المحمدية.

سائلاً العلي القدير أن تصلح هذه الأسطر كمقدمة لهذا الكتاب ((المرأة في فكر الشهيد السيد محمد الصدر)) قدس الله نفسه الزكية، الذي خطّه بعض أخواننا الأعزاء في مكتب السيد الشهيد+ في قم المقدسة، ولا سيّما أخي العزيز الشيخ محمود الجياشي ((دام عزه))  الذي رفد المكتبة الإسلامية بفكر شهيدنا الصدر الثاني+ ولا يزال يرفدها فجزاه الله خيراً، آملاً من الجميع أن يحذوا هذا النهج، وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على أشرف خلقه محمد وآله الأطهار المنتجبين الاخيار.

 

 مقتدى الصدر

  1 ذي القعدة /1429هـ

المزيد في كتابات سماحة السيد