المكتب الخاص/ كتابات سماحة السيد مقتدى الصدر
من كتابات سماحة السيد مقتدى الصدر في كتابه (منهج العقيدة) :ـ
قال تعالى {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ** أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ * وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} . ما معنى عالم الذر وكيف نفهم هذه الآية؟ وما هي أهم مضامينها العقائدية التي تثيرها الآية؟
بسمه تعالى: اتفق المفسرون على عظمة هذه الآية ودقتها وأهميتها في ما يخص الربوبية، فهي دقيقة المعنى ومسبوكة النظم، كما يعبر بعض المفسرين (قدس الله أسرارهم)، إلا أن الخلاف وقع في دلالة هذه الآية على (عالم الذر) وعدمه، فقد ناقش البعض في عدم دلالتها على عالم الذر واستدل بعدة نقاط لا مجال لذكرها هنا، ونحن هنا سنأخذ دلالتها مسلمة للاختصار ليس إلاّ: فإن عالم الذر هو ما أشارت إليه الآية الكريمة المذكورة في السؤال، وهو: ان الله أخذ من بني آدم من ظهورهم من ذريتهم عهداً وميثاقاً بالربوبية، أو قل بربوبيته جلّ جلاله، ثم اشهد بني آدم على ذلك، بل وأمرهم بالاقرار بذلك، ولذلك فهو سبحانه وتعالى يسألهم: ((ألست بربكم)) فيجيبوه : ((بلى شهدنا)).
وكل هذا ينتج أموراً مهمةً جداً، بمعنى أن هذا العهد والاشهاد والاقرار يلزمهم الحجة، فعليه يجب أن لا يدّعوا فيما بعد ذلك، لا هم ولا ذريتهم النسيان والغفلة، أو أمراً آخراً: وهو: ((انما اشرك اباؤنا من قبل)) كل هذه الحجج التي قد يطرحها بنو آدم بعد عالم الذر، أو قل بعد الميثاق واقرارهم من قبلهم، إنما هي حجج غير مقبولة على الإطلاق، فانه يجب عليهم الأخذ بالعهد وعدم نقضه أبداً, فهذا ما غرزه الله فيهم، وكما قال تعال: {وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}.
إذن فمضامين هذه الآية الشريفة كما يلي:
أولاً: التمسك بالعهد والميثاق الإلهي المحتوم.
ثانياً: التمسك بربوبيته جلّ جلاله، وانهم بعد اقرارهم بعدم الاستغناء عنه غير قادرين على نقض هذا العهد.
ثالثا: نستنتج منها على الذر، أي: إن الله أخرج ذرية آدم من ظهره فخرجوا كالذر، فأشهدهم على أنفسهم وعرفهم نفسه، وأخذ منهم الميثاق على ربوبيته، فتمت بذلك الحجة عليهم يوم القيامة.
وغيرها مما يمكن استنتاجه من هذه الآية الكريمة.