بسم الله الرحمن الرحيم
وبه تعالى نستعين
الحمد لله الذي نوّرَ عقولنا بنور العلم، وأضاء قلوبنا بشعاع الإيمان، وزيّنَ نفوسنا بفيوضات الأخلاق، فتسامى الإنسان وعَلا في أُفِق الأفلاك، والحمد لله الذي جعل لنا هُدى نهتدي به ونقتدي بأهله، وبيّنَ لنا الضلال فنبتعد عنه ونتبرأ عن أهله.. فشكراً له آناءَ الليلِ وأطرافَ النهارِ، شكراً متواصلاً كوِردٍ واحد لا ينقطع بعدد أنفاس خلقه...
أما بعد...
فحريٌّ بي أنا العبد الفاني الحقير الفقير المسكين المُستكين، أنْ اكتب ما قد خفيَ على أحبتي وإخوتي من الخلق أجمعين، لتكون تلك الكتابة مسطورة عبر التاريخ فيسمع ويصغي لها مَنْ أراد، ويعرض عنها مَنْ رغب عنها وأشاح.. فما سأكتبه لكم وأضعه بين أيديكم أيها القرّاء الأحبة، هي كتابة تُبيّن لكم بعض الخطوات التي قمتُ بها مؤخراً، وقد أثارت ضجّة كبيرة لا ينبغي أنْ تتصاعد أكثر من ذلك.
ضجّة سياسية قد يصفها البعض بالمتوقعة أو بالطبيعية على أية حال... فانَّ عالم السياسة ذو خبايا، وخفايا كثيرة، ولا يمكن أنْ يكون من ضمن خفاياها السكوت عن تحديات الطرف الآخر مهما كان، إلا في ظروف قاسية جداً قد لا يتَمكّن الطرف المعني من المُجابهة والرد.
زيارة أحدثت (زلزالاً) سياسياً قد يكون بنظر البعض إنتحاراً وخراباً...فإنّه انتحارٌ بصفته صفقة سياسية فاشلة تؤدّي بفاعلها إلى وادي الفشل والإنحسار، ولذا فإنّني حينما جاءني خبر زيارة المالكي إلى (طهران) توقعت أنْ يكون هناك طلب من المسؤولين في (طهران) لِلّقاء به بصورة أو بأخرى... وأنا على علم ويقين بأنَّ هذا الطلب جاء على رغبة من المالكي نفسه، إلا انهم اعني (المالكي + طهران) لا يريدون أنْ يُبيّنوا أ
نَّ مَنْ أراد اللقاء هو المالكي، بل هو طرف وسيط إسمه (طهران)...
عموماً قد يُقال لا فرق بين أنْ تكون أنت الطالب لِلّقاء أم هو أم طرف ثالث، فالمهم جلّ المهم هو المصلحة العامة، التي توصل البلد إلى النجاة وتُبعِد شبح الخلاف والاختلاف والتناحر وما إلى ذلك، مما قد يوصِل العراق إلى ما لا يُحمَد عقباه ولو بعد حين.
وفعلاً فأنني قدّمتُ المصلحة العامة على الخاصة ورضيت بأنْ ألتقي به في مكان مُحايد، بحيث لا أكون قد زرته ولا يكون قد زارني... فكان اللقاء في (طهران) بعد أيام من هذا الكلام...وقد جاء هذا اللقاء في موعده المُحدّد تماماً، حيث كان مُختَلِفاً عن باقي اللقاءات العامة المُشابِهَة لمثله، والذي كنا نعاني من سوء الموعد وإخلافه في اغلب الأحيان.
ومن المهم أنْ تعلموا أنَّ الجميع قد وصفوا اللقاء بالودّي والمُثمِر، لِما كان يحتويه من صراحة من قِبَلي بطريقة أخوية شفّافة، وابتسامة أمام الطرف الآخر، لكي لا تكون مدعاة للأذى... ولِما تخلّله من طرح أمور مُثمِرَة على الصعيد الشخصي والعام.
وما عنيت من الشخصي إلا ما يخص (شخص رئيس الوزراء) الأستاذ نوري المالكي، حيث أعطيته بعض النصائح وأعطاني بعض أعماله التي قام ويقوم بها، مُبرّراً بعض ما حدث سابقاً أو ما يحدث لاحقاً... وفيما ادّعى انَّ حزبه يمرّ بضائقة مالية، وخصوصاً بعد أنْ قلتُ له: أنا أُؤيّدُكَ بحربكَ ضد الفساد والسرقة، إلا انَّ هذا لا يكون ضد خصومكَ فقط، بل يجب أنْ يكون مع أتباعكَ أيضاً... فأجابني: (حزب الدعوة) لا فساد فيه... وبطبيعة الحال فهذا ليس نصّ ما قلتُ وما قال، بل فحواه أو مُختَصَرَه، فقلتُ له: هل وافقتَ لي على أنْ انتمي لحزب الدعوة (المعصوم)... من باب التهكّم أكيداً...
ومن ضمن النصائح التي أسديتها له قُربة إلى الله تعالى هي قولي له، إنَّ (الهدّام) عليه اللعنة والعذاب قد تربّعَ على كرسي الرئاسة ما يزيد عن العشرين عاماً، وفي حال ترشّحكَ إلى رئاسة الوزراء للمرة الثالثة ستكون (نِصفَ هدّام)، فما كان جوابه إلا أنْ قال: إنَّ الدستور يعطيني الصلاحية بالترشّح مرة وأربعة وعشرة وما إلى ذلك... وكان هذا القول بحدّة قليلاً وبجدّ لا يشوبه مزاح أو تأويل ... فقلتُ له: يمكنك أنْ تتخلّى عنها لفترة وتعود لها لاحقاً، لكي لا يُقال إنَّك مُتمسّك بها... فما أيّدني أيضاً، والله العالم...
ولكي لا أمحور الكلام في محور واحد ومصبّ واحد، فإنَّ مما دار في تلكم الجلسة حديث حول فرض سيطرته على بعض الهيئات والوزارات، ولا سيما الأمنية وبعض مؤسسات الدولة، بل وحتى البنك المركزي وغيرها كثير مما لا يخفى على المُتَتَبّع أخباره وأخبار العراق الحبيب، وكان في كل ذلك يقول بعض المُبرّرات التي قد يكون بعضها مُقنِعاً والآخر ليس كذلك.
ولكنني فهمتُ من كل الحديث أنَّه يريد فرض سيطرته على كافة مفاصل الدولة بصغيرها وكبيرها... وعلى الرغم من أنَّ تلك الفكرة قد تكون صحيحة لِما نُسمّيه: (بالمركزيّة)، إلا أنّني لا أوافقه بصورة أو بأخرى على الآليات المُتَّبَعَة من قبله للوصول إلى ما أسميته أنا وليس هو (بالمركزيّة)، فإنَّ آلياته التي يتّبعها قد لا توصل إلى (المركزيّة)، بل إلى ما يُسمّى غالباً: (بالدكتاتورية).
فالتسقيط وتسييس القضاء من جهة، والتهميش والإقصاء من جهة أخرى، لا يكون حَلاً بأي صورة من الصور، ولا يكون مُنتجاً إلى ما أطلقنا عليه (بالمركزيّة)، بل أنَّه يوصل لا محالة إلى (الدكتاتورية) بما لا يشوبه الشك، فاستعمال السلاح لإسقاط الشركاء، أو استعمال القضاء وجهان لعملة واحدة كما لا يخفى..
ولا يفوتني أنْ أخبركم أنَّ هذا اللقاء كان في بدايته بحضور الوفد المرافق لي وهو: (السيد علي ابن الشهيد السعيد السيد مؤمل الصدر، والسيد مصطفى اليعقوبي والسيد عون آل النبي) وكان بصحبته الشيخ عبدالحليم الزهيري فقط، إلا انّ الوفد المُرافق لي خرج ولم نبقَ إلا أنا والسيد مصطفى اليعقوبي والشيخ الزهيري إضافة إلى (ضيف الشرف) وهو المالكي. وكان في بعض فترات اللقاء يتواجد: (قاسم سليماني) قائد فيلق القدس في إيران بل وخارجها...!!
وفي نهاية المطاف أو اللقاء أخبرتُ المالكي بأنني سأذهب إلى (اربيل) أو كردستان، فهل من حاجة أُبلغها لهم لتقريب وجهات النظر، فما كان جوابه إلا مصحوباً بتأييد (قاسم سليماني): بأنْ لا تذهب، فذهابك فيه مُخاطَرَة أمنية وإضعاف شعبي، وقد وصفوا الأكراد بوصف لا أريد ذكره هنا.. فأبيتُ ذلك، وقلتُ إنّها زيارة طبيعة ولا ضرر فيها أبداً.
إذن فهذه الزيارة - أعني زيارتي إلى اربيل - هي انتحار بنظر (المالكي) و (طهران) وبعض الأطراف الأخرى، وقد تكون خراباً بنظر الآخرين، الذين يقولون إنَّ مَنْ في اربيل كلهم ضد الحكومة ورئاسة الوزراء... وهذا ما قد ينتج أموراً تُسيء إلى العراق وأهله لا سمح الله.
وعموماً فانَّ زيارة (كردستان) جاءت بعد انتظار طويل مني ومِمّن هُم في اربيل ومن جميع الأطراف كافة، فهي زيارة بين أكبر مكوّنات الشعب العراقي، مما ينتج تقارباً وطنياً مُهمّاً، ولذلك فَهُم - اعني الإخوة في كردستان - أسموها (بالزيارة التأريخية)، وكانوا مشكورين على ذلك، ومُحقّين في نفس الوقت، كونها جاءت لتوحّد الصف العراقي بشيعته وكُرده وسنته، إلا أنَّ هناك مَنْ بات يعزف على وتر الطائفية مرة أخرى مع شديد الأسف، فمثل هكذا لقاءات تستفزّه وتثيره.
علماً إنَّ تلك الزيارة جاءت بعد دعوات كثيرة منهم، كان آخرها دعوة الأخ رئيس وزراء كردستان ( السيد نيجرفان البرزاني)، الذي زارني في (طهران) أيضاً، وكانت زيارة ودية وضعنا من خلالها استراتيجيات علاقتنا معهم والخطوط العامة لها، وقد فتحتُ الكثير من الملفات على رأسها ملف كركوك، وأنها تبقى عراقية مهما كان ومهما يكون، وملفات أخرى لا تقل أهمية عن ذلك.
فجاء موعد زيارة كردستان العراق المُنتَظَرَة منذ أمد طويل، تلك الزيارة التي اختلف عليها الكثير، فمنهم مَنْ وصفها بأنها انتحار سياسي وشعبي، وآخر وصفها بأنها نجاح باهر على الصعيد الوطني والسياسي، وخصوصاً أنها جاءت بعد خلافات حادّة بين (حكومة المركز) وبين (حكومة الإقليم)، عسى أنْ تكون زيارتنا مما يُذهِب بتلك الخلافات التي كانت أسبابها كثيرة باختلاف الأنظار والأفهام والتوجّهات، فمنهم من قال إنّها بسبب (النفط)، ومنهم من قال إنّها بسبب (الأموال)، ومنهم من قال إنّها بسبب (القضاء)، وأسباب أخرى غيرها قد لا تخفى على القارئ اللبيب.
أسباب استدعت وأوجبت أنْ يتدخّل طرف ثالث لحلّها، فجاء دوري وواجبي لأقوم بها كما في الكثير من الحالات غيرها... فكانت إحدى المصالح التي توخّيتها للذهاب إلى اربيل، هي تقارب وجهات النظر بين المُتخاصمين أو المُتناحرين في حينها كما أسلفنا سابقاً، فالأكراد يريدون حقوقهم ويقولون انَّ المركز قد سلبها منهم، والمركز يقول بأنهم قد اعتدوا وأخذوا ما لا يستحقّون على الإطلاق.
مُضافاً إلى دخول جهة أخرى وهي (الكتلة العراقية) وقضيتهم القضائية المرفوعة ضد احد كبارهم، وما إلى ذلك من تعاطف بينهم وبين الأخ مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان، فاجتمع الأطراف هناك مُضافاً إلى رئيس البرلمان العراقي أسامة النجيفي، الذي جاء من رحلة علاجه إلى اربيل لكي يُرصّع الاجتماع الوطني ويضفي عليه الرسمية والشرعية بما لا يخفى.
وبعد الاستقبال الذي حظيتُ به من قبل حكومة كردستان، جاءت اللقاءات تباعاً، وكان أولها بالأخ مسعود البرزاني وذلك في مقر إقامتنا بعد ساعات قليلة من وصولنا، وبعد المؤتمر الصحفي الذي أجريته في مطار اربيل الدولي الذي احتوى على ثمانية عشر نقطة قد سمع بها الكثير عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة...
فتبيّن لي بعد دقائق من لقائنا الأول الكثير من الأمور التي كانت خفيّة عني، بسبب البُعد المكاني بيننا، أو بسبب بعض ما يصلني ويصلهم من أمور تلاشت في أول دقائق من لقائي بالأخ مسعود البرزاني، وكان اللقاء اخوياً جداً، أهم ما طرح فيه هو (سحب الثقة)، ولا مجال للحيلولة دونها... فكان نقاشاً طويلاً جداً جداً...
إنَّ هذا المشروع الكبير ذو تشعبات كثيرة لا يمكن أنْ نقرّه بمجرّد جلسة واحدة فقط، لانّه سيلقى مُجابهة كثيرة وكبيرة، وخصوصاً واني من الطائفة الشيعية في العراق، وهذا مما قد يؤدي إلى ابتعاد بعض الأطراف الشيعية عنا، وفي نفس الوقت فإنَّ سحب الثقة يحتاج إلى أصوات كثيرة أجاب عنها الأخ البرزاني بأنَّها موجودة وبدون شك أو ريب، على الرغم من تشكيكي بذلك..
وقد التقيت في اليوم الثاني بفخامة رئيس الجمهورية الأخ جلال الطالباني في مقرّه، وكان مؤيِّداً ضمناً لِما طُرِحَ على الرغم من إنني وجدتُ تخوّفاً من بعض الإطراف الأخرى منه، لكنه قد طرح الأمر بوضوح وشفافيّة مما يعني أنَّ هناك إجماع كردي على ذلك... فجاء الأخ الدكتور اياد علاوي، الذي ما تردد للحظة على ما طُرِح، ولحقه الأخ أسامة النجيفي...
إلا أنّني في طول ذلك كنتُ أوضح لهم أنَّ هذا المشروع صعب المنال، وأنَّه يجب أنْ يكون مسبوقاً بشيء أهم منه، وهو عدم التجديد لأي شخص لولاية ثالثة بخصوص رئاسة الوزراء على الإطلاق... إلا أنَّ رأيهم كان، على انَّ سحب الثقة مُقدَّم وحاكم على ما طرحته أنا.
وتوالت الاجتماعات واحدة تلو الأخرى بلا توقف، بل بحماسة واندفاع، وذلك بسبب توافق الإطراف عليها ولو إجمالاً... إلا مَنْ رفض المجيء إلى كردستان كما رفض المجيء إلى طهران سابقاً، حينما أردتهم أنْ يحضروا اجتماعنا أنا والمالكي، ألا وهم (الدكتور إبراهيم الجعفري) والأخ (السيد عمار الحكيم)، فإنَّ الأول صاحب أجندة حكومية لا يستطيع الخروج عنها أبداً، وأما الثاني فانه يقف على التل كما يعبرون بما يخص مشروعنا، على الرغم من أنَّه مُتعاطِف معه.
وجاء الاجتماع الأخير الذي تمخّض عن الورقة ذات التسع نقاط والتي وقّع عليها كل من: (الأخ مسعود البرزاني مُمثلاً عن كل الإطراف الكردية السياسية) و (الأخ الدكتور إياد علاوي مُمثلاً عن كل القائمة العراقية) و (الأخ أسامة النجيفي بصفته رئيساً للبرلمان) و (كاتب هذه السطور).
وجاءت هذه الورقة بعد اجتماع عُقِدَ برئاسة رئيس الجمهورية العراقية الأخ جلال الطالباني، وبحضور كل من الإخوة، الأستاذ مسعود البرزاني، والدكتور اياد علاوي، والأستاذ أسامة النجيفي، والأستاذ برهم صالح، والأستاذ كوسرت رسول، والأستاذ عدنان المفتي، والأستاذ محمد علاوي، والأستاذ فخري كريم، والأستاذ فؤاد حسين، والأستاذ اثيل النجيفي، إضافة إلى بعض الإخوة الآخرين من الأكراد والقائمة العراقية، يضاف لهم كاتب هذه السطور والوفد المُرافِق له.
وكان أهم ما دار بهذا الاجتماع، هو (سحب الثقة) عن رئيس الوزراء، مع تحفّظ رئيس الجمهورية عليه، مُدّعياً انه طرف مُحايد لمكانته ومنصبه الذي فيه، إلا انه يؤيّد ما جاء فيه وسيُتمّمه إلى آخره، ثم ادّعى بعد ذلك بأيام أنَّه لم يتوقع صيرورته ووصوله إلى (التحقق).
وحينما سمعتُ ذلك منه وأنَّه يُريد البقاء بحيادية، هالني ذلك بعد ما سمعتُ منه بعد قليل من قوله الأول إنَّه راغب بسحب الثقة، وإنَّه لا يستطيع أنْ يحمي الدستور ويُدافع عنه بوجود المالكي في سدة رئاسة الوزراء، وأنَّه مُقيَّد في الكثير من أفعاله، مع أنَّ الدستور كفل له صلاحياته الموجودة... وإنَّه بصفته حامي الدستور سيوافق على سحب الثقة منه لتلك الأسباب.
فما كان مني إلا أنْ أفاجئ الحضور بطرح مشروع آخر إلا وهو: أنْ أكون وسيطاً لإيصال صوتهم ورسالتهم إلى رئيس التحالف أو إلى التحالف، ليكون كإلقاء حجة أخيرة على إتمام الإصلاحات، والابتعاد عن التهميش والإقصاء والتسيس للقضاء، وما إلى ذلك من أمور تمَّ التوافق عليها بالورقة الموقَّعِ عليها، كرسالة يقع على عاتقي إيصالها للتحالف الوطني.
فكانت النقطة الأولى هي مطلبي والنقطة الأخيرة أيضاً، وما دونها منهم، وافقتهم ووافقوني على كلها لأجل الشعب، ولأجل حكومة ذات صوت واحد تعمل وتخدم الشعب لا غير، مُضافاً إلى انهم أجمعوا على أنْ يكون المُرشَّح الجديد في حال سحب الثقة شيعياً، ومن قبل التحالف حصراً، وهذا ما لم يُناقش به أحد، ولم ينفه أو يستشكل عليه أحد على الإطلاق، بل وقّعوا عليه بعد شهر من ذلك تقريباً، وسنضع في نهاية هذه المُذكرات المُختصرة الأوراق الرسمية وما يتعلّق بالزيارة كوثائق كي يستفد منها القارئ الحبيب.
وفعلاً فقد تمَّ التوقيع على تلك الورقة التي لم يُركِّز الإعلام ولا التحالف ولا أي فرد من الشعب العراقي على أي بند من بنودها، سوى (النقطة الثامنة) وهي: (سحب الثقة) ولا أعلم لماذا؟!!.. فالدستور يدعمنا، والديمقراطية تدعمنا، فنحن جئنا بمشروع سحب الثقة عن رئيس وزراء وليس عن (قائد ضرورة) أو (معصوم) أو شخص يقوم به (التشيع)، فما كانت الحكومات يوماً هي مَنْ تعكس أو تُمثِّل صورة التشيع على الإطلاق أبداً... كما أسلفنا لذلك ونوّهنا باستفتاء سابق وُجِّهَ لنا.
فإنْ كانت خطواتنا قانونية ودستورية بل وشعبية، باعتبار أنَّ الُمجتمعين يمتلكون قواعد شعبية كبيرة بما لا يخفى، ويُمثلون مقاعد بالبرلمان قد تزيد عن (180) إلى (200) صوت، وهذا يعني إمكان (سحب الثقة) بل يزيد.
وتغيير رئيس الوزراء وإجماع الأطراف على قبول مُرشّح التحالف الجديد بدون قيد أو شرط لاحق أو سابق، لا يعني هدر السلطة، ولا يعني بقاء الفراغ، ولا يعني إلا استبدال شرعي وشعبي وقانوني يجب أنْ يكون بسلاسة وسهولة.
لكن مع الأسف فإنَّ (الديمقراطية) لا زالت هشة وفتية في عراقنا الحبيب، ولا زالت لم تختمر في عقول وقلوب العراقيين إلى يومنا هذا، ولعلها أحد النعم، وفي نفس الوقت أحد النقم... وكما يُعبرون، أنها من المُبكيات المُضحكات.
ومن المهم ألفات النظر إلى شيء مهم جداً وهو، أنَّ زيارة كردستان لم تنتج هذه الضجة الكبيرة إلا بعد أنْ نُشِرَت التواقيع على الورقة ذات النقاط التسع، وأما قبل ذلك فإنها كانت طبيعية ومقبولة، مما يعني أنَّ الاعتراض ليس على الزيارة فحسب، بل هي على (سحب الثقة) بالدرجة الأولى والأهم.
وعموماً فانَّ ما دعاني إلى التوقيع على تلكم النقاط هو ما يلي:
ألأول: التوافق الوطني المُتمثّل بكل الأكراد وسنة العراق وبعض شيعته الموجودين في الكتلة العراقية.
ألثاني: الأفعال التي صدرت من رئاسة الوزراء والتي لا تُفَسَّر إلا كما ذكرنا سابقاً، بأنَّها إقصاء وتهميش وبناء لدكتاتورية وقائد ضرورة، مما لا يصبّ بمصلحة العراق ولا بمشروعه الديمقراطي.
ألثالث: ولعلّه الأهم، وهو الواعز الديني والعقائدي الذي استصرخني من اجل إنهاء مُعاناة الشيعة المُستقبَلي، والذي سينتج بسبب سياسة رئاسة الوزراء والحكومة، بل والتحالف الذي بات يقصي كل أنداده وشركائه أيضاً، وبالتالي إلى عزلة وانعزال الشيعة عن كل الأطرف داخل العراق.
ألرابع: إنَّ ما يصدر من رئاسة الوزراء هو بنظر الآخرين يعكس صورة عن التشيّع، وبالتالي فإنَّ ما صدر من أذى فانه أذى على التشيّع، ومن هنا فلابد من بيان، أنَّ هناك من الشيعة مَنْ لا يقبل بتلك التصرفات، بما يعني أنَّ هذه التصرفات ليست شيعية وإنما فردية .
ولعل ما أوجبَ رفض البعض لهذه الفكر، اعني سحب الثقة عن رئيس الوزراء ما يلي:
أولاً: إنَّ هناك مقبولية للحكومة من قبل أمريكا ولو إجمالاً، وهذا يعني أنَّك سوف تتصادم مع أمريكا، على الرغم من إعلانها أنها غير معنية ما دامت الأمور تحت طائل الدستور.
ثانياً: إنَّ الحكومة مقبولة بل أكثر من ذلك من قبل إيران، وهذا يعني أنَّ بقائها بقاء للاستقرار في المنطقة.
ثالثاً: إنَّ استمرارها يعني الحفاظ على سوريا. ولا أريد هنا الاستزادة.
رابعاً: إنَّ بقائها ـ أعني حكومة المالكي ـ يعني استقرار العراق وبقاء كل شيء على ما هو عليه من وظائف ومشاريع وأفكار ولا غير ذلك..
فأقول:
أما الأول: فإنَّ أمريكا لازالت مُحتلّة من جهة، فعليه لابد من عدم السماح لها أنْ تكون ذات نفوذ على السلطة العراقية، وبقاء المالكي يعني بقاء النفوذ الأمريكي، وهو مُضرّ أكيداً بالاستقلالية والوطنية، مُضافاً إلى ما ذكرناه عنها سابقاً.
أما ثانياً: إنّنا لا نريد بناء حكومة مُعادية لأي من دول الجوار على الإطلاق، وما سيأتي من بديل للأستاذ نوري المالكي لا يكون مُعاديا لا لإيران، ولا لأي دولة أخرى، ما دامت مُسالمة للعراق وشعبه.
أما ثالثاً: لا دخل للشأن السوري بالشأن العراقي من جهة... وأيضاً لا أريد الاستزادة، فإنَّه إنْ كنتم تخافون من حرب طائفية بين العراق وسوريا، فليس المعنيّ بها أحداً، سوى مَنْ تتهمه بعض الجهات السورية ظُلماً وبُهتاناً بالتدخل بالشأن السوري.
أما رابعاً: إنَّنا لا نؤمن بالتسميات، وإنما يجب تقوية الحكومة أياً كانت، ما دامت تريد صالح العراق والشركاء، ومجيء شخص يقوم بتلك الواجبات هو الذي سيكون مقويّاً للعراق وشعبه لا العكس.
لكن أكثر ما لفت نظري هو قول مَنْ في طهران سواء (قاسم سليماني) وكذلك (المالكي) من أنَّ ذهابك إلى كردستان سيكون مُنقصاً لشعبيّتك... ولعل هذا ما حدث بعض الشيء، وما يحدث من ضجة إعلامية ضدنا مُفبركة ومُمنهَجة، حتى إنَّهم يعلنون بين حين وآخر، أنَّ غلق الطريق إلى النجف القديمة يكون بسببي، على الرغم من أنَّي أقيم خارجها وفي (حي الحنانة)، فما دخل النجف القديمة بالوفود التي تزورني؟؟!!... وأي وفود هذه؟.. هو وفد واحد فقط جاء ليس إلا.
عموماً فنحن آل الصدر تعوّدنا أنْ لا نُحمَلَ على الصحّة، وخصوصاً في عراقنا الحبيب، وعليه سأقول كما قال الشاعر:
بلادي وإنْ جارت عليَّ عزيزة
وأهلي وإنْ شحّوا عليَّ كِرام
لكن مع ذلك فإنَّي من المُشكّكين في نفس الوقت بأنَّ هذه الخطوة أو المشروع مَرضيّ من قبل الكثير من القواعد الشعبية، سواء في ذلك مَنْ يلوذ بنا، أو ممن يلوذ بشركائنا الأكراد والكتلة العراقية، وما إلى ذلك من أطراف أُخر لا تستطيع مُجابهة المالكي، لأسباب سياسية أو شعبية.
وعلى الرغم من ادّعاء الكثير ممن يقولون، إنَّ العراقيين مع السلطة وممن يخافونها من جهة، ويطمعون بها من جهة أخرى ويقولون: بإنَّ الواقف ضد (الهدّام) سابقاً كان يُقال عليه إنَّه مُزعزِع الأمن والاستقرار فكيف الآن.؟؟!!.
أقول: هذا غير صحيح، وأنَّ الشعب العراقي واعي ومؤمن بقضيته، ويُميّز بين الحق والباطل، وليسوا هم أتباع السلطة، بل السلطة يجب أنْ تكون تبعاً للشعب وموافقة لهم ولحاجاتهم ومُتطلّباتهم.
هذا وأنَّ الكثير ممن لا يؤيدون (سحب الثقة) صاروا ندّاً لنا بعد ما أنْ كانوا أصدقائنا، مُدّعين أنَّ ذلك يشقّ عصا التشيّع، مُتناسين أنَّ مَنْ شَقَّ العصا أولاً هو مَنْ كَوَّنَ (دولة القانون)، وخرج عن (الائتلاف الوطني)، وقد غفلوا أنَّ مَنْ ذهب إلى اربيل ووقّع معهم هو الأستاذ الأخ نوري المالكي بصفته الشخصية والرئاسية على اتفاقات كثيرة بعضها نُشِر، والبعض الآخر خُفي، والبعض الآخر لا زال يُنشَر.... فَلِمَ أذن هو حلال لهم حرام علينا!!!؟.
ويبقى جلّ استغرابي مُنصَبَّاً على أمر واحد هو، لماذا لم يوقّع فخامة الرئيس ؟!! ولماذا هذا التصعيد ؟َ!!... بل إنْ كان المالكي مُطمَئَناً بانَّ الشعب معه، وانَّ البرلمان لم ولن يصوّت ضده بسحب الثقة عنه، لماذا لا يُبادر بنفسه إلى الموافقة على عقد هذه الجلسة البرلمانية، ليصوّتوا ويكون التصويت تجديداً له لا سحباً عنه؟؟!!.. ويحجم عن التشكيك في صحة التواقيع أو نشر الإشاعات وما إلى ذلك.
لكن مع شديد الأسف يدّعي البعض ما ليس له وما لا يملك... فشتّان بين الشعبية وبين الخوف من مُمثلي الشعب!!.
وأنا على يقين بأنَّ الشعب والبرلمان قادر على أنْ يأتي بمثل المالكي وزيادة كما استطاع سابقاً وبظروف أقوى وأحلك واشد من هذه الظروف، من أنْ يتوصل لحكومة وانتخابات وأمن نسبي، قد بدء يتلاشى بأنظار البعض، وخصوصاً بعد حدوث التفجيرات الرهيبة في كل بقاع العراق ومناطقه..
وليعلم الجميع أنَّ تلك التفجيرات إذا كانت نتيجة لمشروع سحب الثقة، فأنني لن استمر به أبداً، ولكني على يقين أنَّ أسباب التفجيرات ما يلي:
أولاً: الحرب الإعلامية.
ثانياً: التصعيد الطائفي، وأنَّ مشروع سحب الثقة ضد التشيّع.
ثالثاً: إنَّها بسبب تسجيل العتبة العسكرية باسم الوقف الشيعي، على الرغم من إيقاف ذلك قانونياً، إلا أنَّ التأجيج لم يؤجل ولم يوقف...
رابعاً: إنَّها بسبب الخصومات السياسية التي ابتنت عليها زيارة كردستان، والتي باتت منسية بسبب الزيارة، ومنها قضية (طارق الهاشمي)، التي نُسيَت قضائياً وسياسياً وباقي الملفات المُتخاصم عليها.
وغيرها مما لا أتصور أنَّ احدها (سحب الثقة)، وخصوصاً إنَّي قد أعلنت أنَّ سحب الثقة يجب أنْ لا يؤثر على سير العمل الحكومي والوزاري الخدمي وغيره على الإطلاق، بل يجب العمل مع زيادة وحماس أكثر لأجل الوصول إلى تحقيق الهدف الأعلى، وهو رفع مُعاناة الشعب شيئاً فشيئاً.
ووصل الأمر بالكثير ممن أخذ على عاتقه إيقاف سحب الثقة أنْ يقولوا إنَّ (سحب الثقة) مشروع (سعودي) (قطري)، وغيرها من الدول التي يتصور أنها تدعم مثل تلك المشاريع الخاطئة بنظرهم، ونقول: إنَّ المشاريع تعدّدت فبعضها إيراني والبعض الآخر أمريكي والبعض الآخر قطري واختلط علينا الحابل بالنابل ولا دليل على البعض منها...
وما ترى هذه المشاريع وما هي ماهيتها، الكل يظن أنها مشاريع طائفية، فالشيعي يظن أنَّ دول التسنّن تحوك مؤامرة ضد التشيّع ودوله، وأنَّ السنّي يظن بأنَّ دول التشيّع تتآمر ضده ليس إلا...
فلا هذا ولا ذاك... وإنما هو الشعور القديم الحديث والتخوف من الأول إلى الأزل - إنْ جاز التعبير -، وهو (المؤامرة)، فبعضنا يشكّ بالبعض الآخر، وما ينتج من ذلك هو صراع إسلامي تشدّدي، بين مُتشدّدي الشيعة من جهة، وبين مُتشدّدي السنة كالوهابية وما شابه من جهة أخرى.
وهو إنما نتج بسبب أفكار الغرب وما زرعت من فتنة عبر مر التأريخ، وما سرجون عنّا ببعيد... وإنا لله وإنا أليه راجعون...
وأنا هنا لستُ بصدد تفنيد ذلك لأنَّ الكثير سوف لن يستسيغ التفنيد ولن يُصدّقه من جهة، ومن جهة أخرى أنَّه يحتاج إلى إسهاب واستدلال وتوثيق وهو خارج عن موضوعنا على أية حال.
ولكن مما أريد التنويه له هو أنَّ المنطقة مُقبِلَة أو على شفى حرب طائفية طاحنة، يسقط بها ما لا يعلم عدده إذا بقيت الأمور على هذا التشدّد وعلى هذا الحال لا سمح الله، وخصوصاً أنَّ العراق مركز هذه الصراعات، لِما فيه من فسيفساء جميلة من تشيّع وتسنّن من جهة، وتشدد وانفتاح من جهة أخرى.
فيجب أنْ يكون العراق مُنطَلَقاً لتحسين العلاقات الداخلية بين مكونات الشعب، ليكون قدوة للآخرين أنْ يُحسّنوا أوضاعهم فيما بينهم، وخصوصاً أنَّ التشدّد السني موعود بالحكم والسلطة.
ولا أريد التشعب بل أريد أنْ أبين أنَّ تحسين العلاقات الشيعية مع الأكراد والسنة في العراق قد يكون تحصيناً من تلك الحروب الطاحنة التي يتوجّس منها العراقيون، بل وكافة المسلمين عموماً... وخصوصاً بعد أنْ ساءت العلاقات الطائفية والعرقية السياسية في الآونة الأخيرة في الرقعة العراقية المقدسة.
وفي ذلك مفسدة سيكون معها التشيّع والعراق في معرض الخطر، وبوجه عاصفة طائفية هوجاء، وفيضان التشديد الهائج الذي سيأخذ الجميع إلى الغرق في هاوية الطائفية المقيتة مرة أخرى.
ومما ينبغي الالماع إليه ليكون بمثابة خاتمة لهذه المذكرات المختصرة المخصوصة، هو أنَّي أعطيت وعداً لشركائي في اربيل والقائمة العراقية العاملين من أجل سحب الثقة عن رئيس الوزراء، أنَّهم إنْ حصلوا على (124) صوتاً فانّي سأكون المُتمّم له لـ: (164)، فيما إذا عقد فخامة رئيس الجمهورية جلسة البرلمان من اجل التصويت، وفي حال سمح رئيس الوزراء بذلك، ولم يحل دون وصول البرلمانيين لقبة برلمانهم، بعد أنْ رُفِعَت حواجز الأمن عن مُمثّلي الشعب دون غيرهم..!!