الرئيسية | | ثقافة إسلامية | هجرة النبي الاعظم (صلى الله عليه واله وسلم) سراج منير وعطاء كثير

هجرة النبي الاعظم (صلى الله عليه واله وسلم) سراج منير وعطاء كثير

عدد القراءات : 32175

المكتب الخاص / النجف الاشرف

بعد ما فارق أبوطالب عمّ الرسول (ص)، وخديجة زوجته الحياة، واحداً إثر الآخر، كان لفقدهما أسوأ الوقع والأثر على الرسول (ص)، وهما ظهيراه وناصراه، واشتدّت بعد موتهما ضغوط قريش على المسلمين، وبخاصّة على رسول الله (ص). فأمر المسلمين أن يهاجر من يريد الهجرة منهم إلى الحبشة قائلاً: إنّ بها ملكاً لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق فهاجر فريق من المسلمين إلى الحبشة بإمرة ابن عمّ الرسول (ص) جعفر بن أبي طالب (ع).

تآمرت قريش سرّاً على قتل النبي (ص)، وفي الليلة المحدّدة، أخبر الله تعالى نبيه بمكرهم، فأمر (ص) علياّ (ع) بالمبيت على فراشه بعد أن أعلمه بمكر قريش، سرّ علي عليه السلام لأنّه سيفدي الرسول بنفسه، ونام في فراشه، وخرج الرسول (ص) من بين المتآمرين دون أن يروه، ولما اقتحموا الدار مشرعين سيوفهم، فوجئوا بأنّ شاغل الفراش هو عليّ، فأسقط في أيديهم، وملأهم الغيظ دون أن يستطيعوا مواجهة سيف الإمام (ع)، أمّا الرسول (ص) فقد أنجاه الله من بين أيديهم وأحبط مكرهم.

خروج النبي صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة

( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) الأنفال30

أن اللّه عز وجل قد أنقذ نبيه الكريم عن طريق الإعجاز من خطر محدق به , وهذه الحادثة وفقاً لما وردت في الدر المنثور ومجمع البيان ذيل الآية آنفاً :  قال المفسرون : أنها نزلت في شان دار الندوة وذلك أن نفرا من قريش اجتمعوا فيها وهي دار قصي بن كلاب , وتأمروا في أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). فقال عروة بن هشام : نتربص به ريب المنون , وقال أبو البختري : أخرجوه عنكم تستريحوا من أذاه , وقال أبو جهل : ما هذا برأي , ولكن اقتلوه بأن يجتمع عليه من كل بطن رجل فيضربوه بأسيافهم ضربة رجل واحد... فيرضى بنو هاشم حينئذ بالدية , فصوب إبليس هذا الرأي , وكان قد جاءهم في صورة شيخ كبير من أهل نجد, وخطا الأولين .

فـاتفقوا على هذا الرأي واعدو الرجال والسلاح وجاء جبرائيل (عليه السلام) فاخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فخرج إلى الغار وأمر علياً فبات على فراشه , فلما أصبحوا وفتشوا عن الفراش , وجدوا علياً (عليه الصلاة والسلام) وقد رد اللّه مكرهم فقالوا : أين محمد ؟ فقال : لا أدري , فاقتصوا أثره وأرسلوا في طلبه , فلما بلغوا الجبل ومروا بالغار رأوا على بابه نسج العنكبوت , فقالوا: لو كان ها هنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه فمكث فيه ثلاثاً ثم قدم المدينة.

و يعتقد بعض المفسرين أن هذه الآية , وخمس آيات تليها, نزلت في مكة لأنها تشير إلى هجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) , ولكن سياقها يدل على نزولها بعد الهجرة , إذ تتكلم على حادثة سابقة .فبناء على ذلك تكون هذه الآية قد نزلت في المدينة بالرغم من حديثها عن هجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فتحدث عن الذكرى الكبرى والنعمة العظمى التي من اللّه بها على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمين .

فتقول في بدايتها  (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ) الأنفال30 . وكلمة المكر تعني في اللغة التدبير والتخطيط والحيلة . ثم تضيف الآية قائلة : (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) الأنفال30 .

و أن المشركين قد بذلوا كل ما في وسعهم وجـهـدهم من طاقات فكرية وجسدية للقضاء على نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) , حتى أنهم اعدوا جائزة لهذا الغرض وهي مئة ناقة , وهذا العدد من الإبل كان يعد ثروة كبرى يومئذ هذه الجائزة لكل من يقبض عـلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى بعد أن خرج عن قبضتهم وقد طفق الكثير يجوبون الفيافي والجبال ليبحثوا عنه طلباً لتلك الجائزة الكبرى حتى بلغوا الغار, ولكن اللّه سبحانه اذهب بأتعابهم أدراج الرياح بواسطة نسيج العنكبوت ونـظـرا إلى أن هجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تمثل مرحلة جديدة في التاريخ الإسلامي , بل التاريخ الإنساني.

كيفية هجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ) إلى المدينة :

لبث رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكانه مع علي (عليه الصلاة والسلام) يوصيه ويأمره في ذلك بالصبر حتى صلى العشاءين , ثم خرج في فحمة العشا الآخر , والرصد من قريش قد طافوا بداره ينتظرون أن ينتصف الليل وتنام الأعين , فخرج وهو يقرأ هذه الآية : ( وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ) يس9 , وأخذ بيده قبضة من تراب فرمى بها على رؤوسهم , فما شعر القوم به حتى تجاوزهم ومضى ودخل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) الغار.

فلما غلق الليل أبوابه وأسدل أستاره وانقطع الأثر اقبل القوم على علي (عليه الصلاة والسلام) يقذفونه بالحجارة فلا يشكُّون أنه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) حتى إذا برق الفجر وأشفقوا أن يفضحهم الصبح هجموا على علي (عليه الصلاة والسلام) ـ وكانت دور مكة يومئذ سوائب لا أبواب لها ـ فلما بصر بهم علي (عليه الصلاة والسلام) قد انتشلوا السيوف واقبلوا عـلـيـه بها يقدمهم خالد بن الوليد بن المغيرة وثب علي فختله وهمز يده فجعل خالد يقمص قماص الـبكر ويرغو رغا الجمل ويذعر ويصيح , وهم في عرج الدار من خلفه , وشد عليهم علي (عليه الصلاة والسلام) بـسيفه ـ يعني سيف خالد ـ فأجفلوا أمامه إجفال النعم إلى ظاهر الدار , وتبصروه فإذا علي (عليه الصلاة والسلام) , قـالوا :وإنك لعلي ؟ قال : أنا علي , قالوا : فانا لم نردك فما فعل صاحبك ؟ قال : لا علم لي به فاذكت قريش عليه العيون وركبت في طلبه الصعب والذلول.

وكان فيهم رجل من خزاعة يقال له : أبو كرز , يقفوا الآثار , فقالوا له : يا أبا كرز اليوم اليوم. فوقف بهم على حجرة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : هذه قدم محمد , واللّه إنها لأخت القدم التي في المقام هذه قدم ابن أبي قحافة أو أبيه , فما زال بهم حتى أوقفهم على باب الغار ثم قال : ما جاوزوا هذا المكان , إما أن يكونا صعدا إلى السماء أو دخلا تحت الأرض . وبعث اللّه العنكبوت فنسجت على باب الغار وصرفهم اللّه عن رسوله فتفرقوا.

وقال الطبرسي في ((أعلام الورى )) : وخرج القوم في طلبه , فعمى اللّه أثره وهو نصب أعينهم , وصدهم عنه واخذ بأبصارهم دونه , وهم دهاة العرب , وبعث اللّه العنكبوت فنسجت في وجه الغار فسترته وآيسهم ذلك من الطلب . وبعث اللّه حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار.

واقبل فتيان قريش من كل بطن رجل بعصيهم وهراوتيهم وسيوفهم حتى إذا كانوا من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقدر أربعين ذراعاً (عشرين متراً) تقدم رجل منهم لينظر من في الغار , ورجع إلى أصحابه فقالوا له : ما لك لا تنظر في الغار ؟فقال : رأيت حماماً بفم الغار فعلمت أن ليس فيه احد وسمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما قال فدعا لهن وفرض جزاهن فاتخذن في الحرم.

وفي ذلك يقول السيد الحميري في قصيدته المعروفة بالمذهبة :

حتى إذا قصدوا لباب معــارة ألفوا عليه نسيج غزل العنكب

صنع الإله له , فقال فريقــهم ما في المغار لطالـب من مطلب

ميلوا وصدهم المليك , ومن يرد عنه الدفاع مليكه , لم يعطـب

وأمهل علي (عليه الصلاة والسلام) حتى إذا اعتم في الليلة القابلة فانطلق هو وهند بن أبي هالة حتى دخلا على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فـي الغار , فأمر رسول اللّه هنداً أن يبتاع له ولصاحبه بعيرين .

وكانت قريش في الجاهلية تدعو محمداً : الأمين , فكانت تستودعه وتستحفظه أموالها وأمتعتها , وكذلك من يقدم مكة من العرب في الموسم , وجاءته النبوة والرسالة والأمر كذلك فأمر علياً (عليه الصلاة والسلام) أن يقيم صارخا يهتف بالأبطح غدوة وعشياً : من كان له قبل محمد أمانة أو وديعة فليأت فلنؤد إليه أمانته ثـم قال له : إنهم لن يصلوا إليك من الآن ـ يا على ـ بأمر تكرهه حتى تقدم علي , فأد أمانتي على أعين الناس ظاهراً. ثم إني مستخلفك على ابنتي فاطمة , ومستخلف ربي عليكما ومستحفظه فيكما.

ثم أمره أن يبتاع رواحل له وللفواطم ومن أزمع للهجرة من بني هاشم وقال له : فإذا قضيت ما أمرتك مـن أمر فكن على أهبة الهجرة إلى اللّه ورسوله , وسر إلى لقدوم كتابي عليك ولا تلبث ثم مكث في الغار ثلاثا ثم انطلق لوجهه يؤم المدينة.

وقال الطبرسي : خلفه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليخرج أهله فأخرجهم , وأمره أن يؤدي عنه أماناته ووصاياه وما كان بمؤتمن عليه فادى علي (عليه الصلاة والسلام) أماناته كلها

منازل الطريق :

وخرج رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) من الغار واخذ به ابن اريقط على طريق نخلة بين الجبال , فلم يرجعوا إلى الطريق (الأعظم ) إلا بقديد.

فنزلوا على أم معبد هناك وكانت امرأة برزة تختبئ وتجلس بفناء الخيمة , فسألوها تمراً ولـحماً ليشتروه فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك , وإذا القوم مرملون , وقالت : لو كان عندنا شيء ما أعوزكم القرى فنظر رسول اللّه في كسر خيمتها فقال : ما هذه الشاة يا أم معبد ؟ قالت : شاة خلفها الجهد عن الغنم فقال : هل بها من لبن ؟ قالت : هي أجهد من ذلك قال : أتأذنين لي أن احلبها ؟ قالت : نعم بأبي أنت وأمي إن رأيت بها حلباً فاحلبها فدعا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بها فمسح ضرعها وذكر اسم اللّه وقال : اللهم بارك في شاتها فتفاجأن ودرت ثمالته فسقاها , فشربت حتى رويت , ثم سقى أصحابه فشربوا حتى رووا ,فشرب هو آخرهم وقال : ساقي القوم آخرهم شربا فشربوا جميعاً علا بعد نهل حتى أراضوا , ثم حلب فيه ثانياً عوداً على بدأ فغدوا عندها ثم ارتحلوا عنها.

فقل ما لبثت أن جاء زوجها أبو معبد يسوق عنزاً عجافاً هزلاً , ومخاجهن قليل , فلما رأى اللبن قال : من أين لكم هذا ؟ والشاة عازب ولاحلوب في البيت ؟ قالت : لا واللّه إلا انه مر بنا رجل مبارك كان من حديثه كذا وكذا .

وهذا يدل على الكرامات الربانية التي اعطاها الله تعالى لنبنا الكريم محمد (صلى الله عليه واله

وصول النبي (ص) الى المدينة

كانت هجرة الرسول (ص) إلى المدينة المنوّرة، ذات أثر كبيرٍ وأهميّة فائقة، حتى اعتبرت سنة الهجرة بداية للتاريخ الإسلامي، وكان سكان المدينة ينتظرون قدوم الرسول إليهم بفارغ الصبر، وقد خرجوا لاستقباله بالأهازيج والتحيات والصلوات، وبين جماهير قد ملأها الحماس، دخل عليه الصلاة والسلام المدينة.

وكان أوّل عمل قام به هو أنه أمر ببناء مسجد، ليكون قاعدةً تنطلق منه دعوة الإسلام، وليكون منطلقاً لوحدة المسلمين، وبالتعاون والتّكاتف بين الناس تمّت إقامة المسجد بمدةٍ قصيرة، وبدأ المسلمون يجتمعون فيه كلّ يومٍ، ليستمعوا إلى تعاليم نبيّهم وإرشاداته.

وكان العمل الثاني للرسول (ص) أنّه آخى بين المسلمين، وغدا الناس الذين كانوا بالأمس القريب يشهرون السيوف على بعضهم، غدوا بفضل هذا النهج، وقد شبكوا الأيدي، ووقفوا كتلةً واحدة لا يشغلهم سوى اليقظة والتنبه إلى أعدائهم، أعداء الإسلام. وقد تمّ تشكيل مجموعات منهم لتعليم القرآن الكريم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ففريق يجلس إلى الناس يتحدّث إليهم، وفريق يتلقّى تعاليم الإسلام وأصوله، وآخرون يمضون مع معاهديهم من المسلمين.

المزيد في ثقافة إسلامية
المكتب الخاص / النجف الاشرف ولد الهدى فالكائنات ضياء     وفن الزمان تبسم وثناء  نعم وكيف لا تكون الكائنات ضياء وقد ولد الصادر الأول والنور الأعظم
المكتب الخاص / النجف الاشرف  الإمام المهدي ( عجل الله فرجه  ) ، هو آخر أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، و قد بشَّر
المكتب الخاص / النجف الاشرف اسمه الشريف ونسَبه الزاكي هو الإمام الحسن العسكريّ بن الإمام عليّ الهادي بن الإمام محمّد الجواد بن الإمام عليّ الرضا بن الإمام
المكتب الخاص / النجف الاشرف نــســبــه الــشــريــف : هو الإمام الثامن من أئمة الشيعة الإثنى عشرية (عليهم السلام ) حجة الحق والخليفة على عامة الخلق ،
المكتب الخاص/ النجف الاشرف                                             
المكتب الخاص : النجف الاشرف متابعة : زكي النهيري – مصطفى معله تصوير : حسن رزاق ها هم زوار ابي عبد الله الحسين(عليه السلام )