الرئيسية | | ثقافة إسلامية | ولادة الصادقين

ولادة الصادقين

عدد القراءات : 49062

المكتب الخاص / النجف الاشرف

ولد الهدى فالكائنات ضياء     وفن الزمان تبسم وثناء 

نعم وكيف لا تكون الكائنات ضياء وقد ولد الصادر الأول والنور الأعظم بل مصدر الأنوار ومشع الأفكار ومهدي الأبرار رسول الإنسانية والعين الرحمانية ملهَم الأنوار الربانية الذي بشر فيه الله تعالى الأسبقين بقوله عز من قائل ((إِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ  )) حبيب قلوب المؤمنين وقدوة الصادقين أبي الزهراء محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، هذا النور المبارك الذي شع منه نور الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام) الإمام السادس من أئمة الهدى ومصابيح الدجى هذا الإمام الذي ملأ العالم أجمع بعلمه  وخلقه وكرمه وشجاعته وشع منه أيضا نور الصدر المقدس محمد محمد صادق الصدر ليكون نبراسا وكعبة للعلم والعلماء وللمعرفة والعرفاء وللشجاعة والسخاء والكرم والكرماء هذا الرجل الذي استلهم علمه ومعرفته وشجاعته من الصادر الأول فهب خطيبا ومرجعا وقائداً ومحرراً  . ولم يكن صدفة عابرة أن يكون يوم السابع عشر من ربيع الأول ذكرى لولادتهم المباركة بل الحكمة الإلهية تشاء ما تشاء وتخطط ما تخطط فسلام عليهم وصلوات عليهم بعدد أنفاس المسبحين وعدد ذرات الرمل المرئي وغير المرئي بالعين من الآن الى قيام يوم الدين .

النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه واله وسلم )

الولادة الطاهرة :

لما كانت سُحُبُ الجاهلية الداكنة تُغطّي سماء الجزيرة العربية، وتمحي الاعمالُ القبيحةُ والممارساتُ الظالمة، والحروبُ الداميةُ، والنهبُ والسلبُ، ووأدُ البنات، وقتلُ الاولاد، كل فضيلة أخلاقية في البيئة العربية، وكان المجتمع العربيّ قد اصبح في منحدر عجيب من الشقاء، ليس بينهم وبين الموت الا غشاء رقيق ومسافة قصيرة

في هذا الوقت بالذات طلعت عليهم شمس السعادة والحياة فأضاءت محيط الجزيرة الغارق في الظلام الدامس، وذلك عندما اشرقت بيئة الحجاز بمولد النبيّ المبارك «محمَّد» صلّى اللّه عليه وآله وسلم، وبهذا تهيأت المقدمات اللازمة لنهضة قوم متخلف طال رضوخه تحت ظلام الجهل، والتخلف، وطالت معاناته لمرارة الشقاء. فانه لم يمض زمن طويل الا وملأ نور هذا الوليد المبارك ارجاء العالم واسس حضارة انسانية عظمى في كل المعمورة .

ولد الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله ) في عام الفيل ، لأمه آمنة بنت وهب. وكانت آمنة سليلة بيت الكرم والشرف، وقد اشتهرت بالسمعة الطيّبة والطهارة والعفاف، أمّا أبوه فكان عبد الله، الابن المحبوب من أبيه عبد المطلب (جد الرسول)، وسيد قومه، وموضع اعتزازهم واحترامهم. وقد فارق عبد الله الحياة قبل ولادة الرسول الأكرم (ص)، أمّا آمنة فقد انتقلت إلى رحمة ربّها بعد ولادته (ص) بستّ سنوات، فكفله جدّه عبد المطلب، وعهد به إلى امرأةٍ عفيفةٍ شريفةٍ، اسمها حليمة السعدية، لتقوم بإرضاعه ورعايته

وفي يوم ولادة النبيّ الكريم صلّى اللّه عليه وآله مثل : ارتجاس ايوان كسرى، وسقوط اربع عشرة شرفة منه، وانخماد نار فارس التي كانت تُعبد، وانجفاف بحيرة ساوة، وتساقط الاصنام المنصوبة في الكعبة على وجوهها، وخروج نور معه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أضاء مساحة واسعة من الجزيرة، وولد النبي صلّى اللّه عليه وآله مختوناً مقطوع السُّرّة، وهو يقول : «أللّه اكبر، والحمدُ للّه كثيراً، سُبحان اللّه بكرة وأصيلاً».

وان هذه الحوادث جاءت لتبرهن على شأن الوليد العظيم، وانه ليس وليداً عادياً، فهو كغيره من الانبياء العظام الذين رافقت مواليدهم أمثال تلك الحوادث العجيبة، والوقائع الغريبة، كما يخبر بذلك القرآن الكريم فيما يحدثه عن حياة الانبياء - كما عرفت - وتخبر بها تواريخ الشعوب والملل المسيحية واليهودية.

هذا ولقد درج المسلمون في العصور الإسلامية الاولى على الاحتفال بذكرى المولد النبويّ وأنشأوا القصائد الرائعة في مدحه، وذكر خصاله ومكارم اخلاقه، واظهروا السرور بمولده والشكر للّه تعالى بلطفه، وتفضله به صلّى اللّه عليه وآله على البشرية.

اليوم السابع من مولد النبيّ صلّى اللّه عليه وآله :

حلَّ اليومُ السابعُ من الميلاد المبارك، فعقّ عبد المطلب عن النبيّ بكبش شكراً للّه تعالى ودعا جماعة ليشتركوا في الاحتفال الذي حضرهُ عامة قريش لتسمية النبيّ، وسماه «محمّداً»، وعندما سألوه عما حمله على أن يسمي هذا الوليد المبارك «محمّداً» وهو اسم لم يعرفه العرب الا نادراً أجاب قائلاً : أردتُ أن يحمد في السماء والأرض.

والى ذلك يشير حسان بن ثابت بقوله :

فشقّ لهُ مِن إسمهِ لِيُجلّهُ *** فذُفاء والعرش محمُودٌ وهذا محمّدُ

ومن المسلّم أن هذا الإختيار لم يكن ليتم من دون دخالة للإلهام الالهي، لأن اسم «محمّد» وإن كان موجوداً عند العرب إلا أنه قلّ من كان قد تسمى بهذا الإسم، فحسب ما استقصاه بعضُ المؤرخين لم يتسم به الى ذلك اليوم من العرب الا ستة عشر شخصاً كما يقول شاعرهم :

إن الذين سُمُوا باسم محمدٍ***مِن قبلِ خير الخلقِ ضِعف ثمان

فترَةُ الرِّضاع في حياة النبي صلّى اللّه عليه وآله :

لم يرتضع وليدُ قريش المبارك «محمّد» من اُمّه سوى ثلاثة أيام، ثم حظِيَت بفخر إرضاعه - بعد ذلك - امرأتانُ هما :

1 - «ثويبة» مولاة «أبي لهب»، وقد أرضعته أربعة أشهر فقط، وكان النبيُ صلّى اللّه عليه وآله وزوجتُه الوفية : «خديجة بنت خويلد» يقدّران هذا العمل لها حتى آخر لحظات حياتها.

و«ثويبة» هذه كانت قد أرضعت قبل ذلك «حمزة» عم النبيّ صلّى اللّه عليه وآله و«أبا سلمة بن عبد اللّه المخزومي» أيضاً فكانوا إخوة من الرضاعة.

وقد بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بعد مبعثه، من يشتريها من «أبي لهب» ليعتقها فابى

وكان النبيّ صلّى اللّه عليه وآله يكرمها كلما دخلت عليه، وكان يبعث إليها بالصّلة إلى أن بلغه خبرُ وفاتها عند منصرفه من وقعة «خيبر» فسأل عن إبنها فقيل : مات قبلها، فسأل عن قرابتها، فقيل : لم يبق منهم أحد.

2 - «حليمة السعدية» بنت ابي ذؤيب التي كانت من قبيلة سعد بن بكر بن هوازن، وكان أولادها عبارة عن : «عبد اللّه»، «أنيسة»، «شيماء»، وقد قامت آخر آولادها وهي «الشيماء» بحضانة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله أيضاً :

وقد كان من عادة العرب يومذاك هو أن يدفعوا أولادهم الرضعاء إلى المراضع اللائي كُنّ يعِشن في البوادي لينشأوا في تلك البيئات المعروفة بطيب هوائها، وقلة رطوبتها، وعذوبة مائها ببنية قوية، هذا مضافاً إلى صيانتهم عن خطر الوباء الذي كان يهدد الأطفال في «مكة»، ولأن ذلك كان له مدخلٌ عظيمٌ، وتأثيرٌ بليغ في فصاحة المولود لسلامة لغة أهل القبائل الساكنة في البوادي آنذاك.

وكانت مراضعُ بني سعد من المشهورات بهذا الأمر بين العرب، فقد كانت نساء هذه القبيلة التي كانت تسكن حوالي «مكة» ونواحي الحرم يأتين «مكة» في كل عام في موسم خاص يلتمسن الرضعاء ويذهبن بهم إلى بلادهنّ حتى تتم الرضاعة.

وكان النبي صلّى اللّه عليه وآله قد تجاوز شهره الرابع لما قدمت نساء من بني سعد «مكة» يلتمسنَ الرضعاء في سنة جدب وقحط، ولهذا كنّ بحاجة شديدة إلى مساعدة أشراف «مكة» واعيانها.

ويقول بعض المؤرخين : أنه لم تقبل أيّةُ واحدة من تلك المراضع أن تأخذ «محمّداً» بسبب يُتمه، وقد كان اغلبهن يُردن أن تأخذن من يكون له أبٌ حيُّ حتى يُغدق عليهنَّ بالمساعدات والصّلات، وحتى «حليمة» هي الاُخرى أبت أخذهُ، ولكنّها أيضاً لم تحصل على طفل لِهزال جسمها، فاضطرت الى أن تأخذ حفيد «عبد المطلب» وقالت لزوجها : واللّه لأذهبنّ الى ذلك اليتيم فلآخذنّه، فقال لها زوجُها : لا عليك ان تفعلي، عسى اللّه ان يجعل لنا فيه بركة.

ولقد اصاب الزوجان في ظنّهما هذا، فمنذ أن أبدت «حليمة» استعدادها لخدمة ذلك اليتيم شملت الالطاف الالهية كل مجالات حياتها.

وفاة جده عبد المطلب  (عليه السلام)

وقد توفّي عبد المطلب بعد عامين، فأخذه عمه أبوطالبٍ إلى بيته، وتكفّل برعايته وتربيته.

كان أبوطالب يتعاطى التجارة، وكان من عادة تجار مكة أن يخرجوا بتجارتهم إلى الشام مرّةً في السنة، وقد رافق محمد (ص) عمه أبا طالبٍ في إحدى رحلاته إلى الشام.

عرف الجميع عن محمدٍ (ص) أمانته واستقامته، حتى اشتهر بينهم بـ «محمد الأمين». ولمّا علمت خديجة باستقامته وأمانته، وكانت من أشرف نساء مكّة وأكثرهنّ ثراءً، سلّمته أعمالها التجارية، فاكتسب خبرةً واسعةً بطرق وأصول التجارة، ثم ما لبثت أن أحبّت أخلاقه وعزّة نفسه، فتزوّجت منه، ووضعت بين يديه وفي تصرّفه، كامل ثروتها وأعمالها . .

فقام (ص) مستعيناً بقوّة شبابه وإرادته، وما وفّرته له زوجته من إمكانيّاتٍ، قام بمساعدة المظلومين، ومد يد العون إلى الفقراء المستضعفين.

رزق (ص) من خديجة بستة أبناء: ولدين أسماهما قاسماً وعبد الله، وقد توفّيا صغيرين قبل بعثته (ص)، وأربع بناتٍ هنّ رقية وزينب وأم كلثوم وفاطمة (ع). وكان (ص) كثير الصبر عظيم الجلد، فلم يبدر منه أيّ إحساس بالضعف لموت ولديه، بل تقبّل قضاء الله وحكمه بالرّضى والإقرار.

كان (ص) يتمتّع باحترامٍ شديدٍ بين الناس، وكانوا يرجعون إليه ليساعدهم في حل مشاكلهم، وكانوا يثقون به ويعتمدون عليه، ويودعون لديه أماناتهم، ولم تعرف عنه كذبه واحدة، لأنّه كان رجلاً صادقاً مؤمناً. (وإنّك لعلى خلقٍ عظيمٍ) (القلم - 4).

كان الناس في تلك الأيام يعبدون الأصنام، بينما كان هو يعبد الله الواحد الأحد، ملّة جده إبراهيم الخليل (ع)، وكان يقضي معظم وقته يتعبّد في غار حراءٍ، وهو غار يقع على قمّة جبل في شمال مكّة. وكان يذهب خفيةً إلى هناك، فيقضي شهر رمضان بكامله، يصلي ويعبد ربّه ويناجيه الى ان بزغ نور الرسالة المحمدية  التي اخرج بها الناس من الظلام الى النور

الامام الصادق عليه السلام

اسمه ونسبه

هو الإمام جعفر بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الإمام السبط الشهيد الحسين ابن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليهم جميعا من الله السلام. ولد الإمام الهمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام يوم الاثنين السابع من شهر ربيع الأول سنة 83هـ في اليوم الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يوم عظيم البركة, وكان السلف الصالح من محبي آل محمد يعظّمون هذا اليوم ويحترمونه, وورد ثواب عظيم في صومه ويستحب فيه الصدقة وزيارة المشاهد المشرفة وفعل الخيرات وإدخال السرور على قلوب المؤمنين.

وأمه أم فروة وقيل فاطمة وقيل ان أم فروة كنيتها وهي عليها السلام ابنة القاسم بن محمد بن أبي بكر احد حواريي الإمام علي عليه السلام، قال في حقها الإمام الصادق عليه السلام: «كانت أمي ممن آمنت واتقت وأحسنت والله يحب المحسنين» وقد عدت عليها السلام من الرواة عن الإمام الباقر والصادق عليهم السلام.

أشهر كناه وألقابه

أشهر كناه عليه السلام أبو عبد الله وفيه عرف عليه السلام في كتب الحديث والرواية، ومن كناه أيضا: أبو إسماعيل باسم ولده الذي توفي في حياته عليه السلام.

وألقابه عليه السلام: الفاضل والطاهر والكافل والصابر، وأشهرها الصادق سماه به النبي الأعظم صل الله عليه واله وسلم قبل ولادته بمائة عام تقريبا.

زوجاته وأولاده

تزوج عليه السلام زوجات عديده منهن فاطمة بنت الحسين الأثرم ابن الحسن بن علي بن أبي طالب وكان أبوها ابن عم زين العابدين (ع) ومنهن حميدة البربرية والدة الإمام موسى الكاظنم (ع)وولد له من الأولاد أحد عشر ولداً سبعة من الذكور وأربع إناث فاما الذكور فهم : إسماعيل الأعرج ، وعبدالله ، والأمام موسى بن جعفر (ع) وإسحاق ، ومحمد ، وعلي ، والعباس ، وأما الإناث فهن فاطمة وأسماء وفاطمة الصغرى ، وام فروة .

الملامح العامة لعصر الإمام الصادق عليه السلام

عاش الإمام الصادق عليه السلام مرحلة مهمة من تاريخ الإسلام والتي تزامنت مع سقوط الدولة الأموية الظالمة وقيام دولة بني العباس و ان حياته عليه السلام كانت ما بين شيخوخة الدولة الأموية وطفولة الدولة العباسية، عاصر عليه السلام قبل إمامته من بني أمية عبد الملك بن مروان الذي توفي في سجونه وسجون عماله من شدة التعذيب خمسون ألف رجل وثلاثون ألف امرأة، كما عاصر عليه السلام الوليد بن عبد الملك بن مروان، وسليمان بن عبد الملك بن مروان وقد احرق هذا الأخير جماعة كبيرة من المجذومين المرضى وقال: «لو كان في هؤلاء خير ما ابتلاهم الله بهذا البلاء»، وعاصر عمر بن عبد العزيز بن مروان، ويزيد بن عبد الملك، وهشام بن عبد الملك الملقب بالأحول، والوليد بن يزيد وهو قاتل زيد بن علي عليه السلام، وعاصر عليه السلام يزيد بن الوليد الملقب بالناقص، وإبراهيم بن الوليد الذي حكم سبعين يوما ، وعاصر مروان بن محمد المعروف بمروان الحمار الذي انهارت الدولة الأموية المشؤومة في حكمه والتي ذاق فيها الأئمة عليهم السلام وشيعتهم بل حتى سائر الناس وعوامهم أنواع الرزايا والبلايا والمحن.

وبعد هذه الحقبة المظلمة قامت الدولة العباسية رافعة شعار إعادة الحق إلى أهل البيت عليهم السلام فتجمع حولها أناس لا فهم لهم في سياسة الحكام، أما أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم فلم ينخدعوا بهذا الشعار لعلمهم بأن بني العباس لا يطلبون الملك إلاّ لأنفسهم، وفعلا ما أن استوت لهم الأمور جعلوا الخلافة ملكا يتوارثه الأبناء عن الآباء، وقد عاصر الإمام من هؤلاء الطغاة أبا جعفر المنصور الذي انشغل بقتل الأمويين وتتبعهم تحت كل طارق حتى طالت مطاردته قبور الأمويين، فقد نبش قبر معاوية لينكل به فلم يجد شيئا سوى خيطاً من رماد ونبش كذلك قبر يزيد بن معاوية فلم يجد فيه سوى حطاما كأنه رماد. وعاصر عليه السلام المنصور الدوانيقي أخا السفاح الذي كانت سياسته إفقار الشعب لئلا تقوم لأحد قائمة.

الإمام الصادق عليه السلام يستغل الظروف للدعوة إلى الله

كانت الفترة التي حكم فيها أبو العباس السفاح أول ملوك بني العباس فترة تصفية الحسابات مع بني أمية، فانشغل بذلك عن ملاحقة أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم فسنحت الفرصة للإمام الصادق عليه السلام في نشر العلوم التي منعها الأمويون وكتَّم عليها الظالمون... وقصد آلاف الطلبة المدينة المنورة ليحضروا دروس الإمام الصادقعليه السلام ، فانتشر علم آل محمد صل الله عليه واله وسلم في الآفاق وكانت حلقات هذه الدروس متنوعة كالفقه و الأحكام الشرعية وعلم الكلام وعلم التفسير وعلوم الحديث مع مناقشة الأدلة، وكعلم الكلام ومناقشة بعض المسائل الاعتقادية و معالجة الشبهات الدخيلة، كما اشتملت الدروس على العلوم الأخرى كعلم الطب و الكيمياء وغيرها.

فاستطاع الإمام الصادق عليه السلام ان يصنع علماءً ومثقفين لا يشق لهم غبار في مختلف العلوم، واستطاع خلال هذه الفترة المختصرة من الحرّية أن ينشر من العلوم ما ملأ الخافقين إلى يومنا.

الإمام الصادق عليه السلام إلى الرفيق الأعلى

لقد عرف أبو جعفر العباسي ان أفضل طريقة للخلاص من الإمام الصادق عليه السلام هي دس السم إليه عبر الوكلاء، اقتداءً بمعاوية بن أبي سفيان الذي سم الإمام الحسن عليه السلام على يد زوجته جعيدة، فبأمر من الحاكم العباسي قام محمد بن سليمان والي المدينة بدس السمّ للإمام الصادق في الخامس والعشرين من شوال عام 148 هـ فمضى أبو عبد الله عليه السلام ضحية المجرمين والظالمين، وقد دفن في مقبرة البقيع مقربة جده المصطفى صل الله عليه واله وسلم بعد تشييع مهيب لجثمانه المبارك. وهكذا أفل نجم من نجوم آل محمد صل الله عليه واله وسلم وأسدل الستار على نور من أنوار هم الباهرة ليقوم مقامه نجم آخر ونور ثاني.

السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر (قدس سره )

اسمه ونسبه :

السيّد محمّد بن محمّد صادق بن محمّد مهدي الصدر ، وينتهي نسبه إلى إبراهيم الأصغر بن الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام ) .

ولادته :

ولد السيّد الصدر في السابع عشر من ربيع الأوّل 1362 هـ بمدينة النجف الأشرف . وهو يوم ولادة الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وولادة الإمام الهمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) ومما يذكر أن أبويه لم يكن عندهم أولاد .. ولكن عند ذهابهم إلى الحج وزيارة قبر النبي محمد (صلى الله عليه وآله) توسلوا إلى الله بالرسول أن يرزقهم الله الولد . وبالفعل فقد استجاب الله دعاء الوالدين الشريفين فولد سماحة السيد الشهيد في نفس اليوم الذي ولد فيه الرسول (صلى الله عليه وآله) .

وعاش سماحة السيد في كنف جده لأمه آية الله العظمى الشيخ محمد رضا آل ياسين قدس سره وهو من المراجع المشهورين , وكذلك عاش في كنف والده الحجة السيد محمد صادق الصدر قدس سره حيث كان السيد وحيدا لوالده .

دراسته وتدرجه العلمي

بدأ سماحة السيد بالدراسة الحوزوية في سن مبكرة حيث تعمم وهو ابن أحد عشر سنة , دخل كلية الفقه سنة ( 1376 هـ / 1957 م) وقد تخرج منها سنة ( 1381 هـ / 1962 م ) ضمن الدفعة الأولى من خريجي كلية الفقه في النجف الأشرف . ثم دخل سماحة السيد مرحلة السطوح العليا فدرس كتاب الكفاية على يد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) وبعض كتاب المكاسب على يد السيد محمد تقي الحكيم (قدس سره) ثم أكمل دراسة المكاسب على يد الشيخ صدرا الباتكوبي (قدس سره) وبعدها ارتقى إلى مدارج البحث الخارج الاستدلالي . فحضر أبحاث الخارج عنـد :

1ـ السيّد الشهيد محمّد باقر الصدر (قدس سره) دورة أصولية ونصف دورة وكتاب الطهارة .

2ـ السيّد أبو القاسم الخوئي (قدس سره) دورة أصولية كاملة وكتاب الطهارة .

3ـ السيد روح الله الخميني (قدس سره) في المكاسب .

4ـ السيّد محسن الحكيم (قدس سره) في كتاب المضاربة .

وقــد أجيز بالاجتهاد من قبل أستاذه آية الله العظمى السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس الله سره الشريف) في سنة (1396 هـ / 1977 م) وقد كان عمره آنذاك أربع وثلاثين سنة .

تدريسُـه :

بعد أن طلب منه مجموعة من طلبة الحوزة العلمية الشريفة أن يدرسهم أبحاث الخارج , قال لهم سماحة السيد أعرضوا المسألة على سماحة السيد محمد باقر الصدر (قدس سره الشريف) فإن وافق فلا مانع عندي , فعرضوا الأمر عليه فوافق وبارك لهم ذلك , فباشر بتدريس البحث الخارج على كتاب المختصر النافع في عام 1978 م , لكن الدرس لم يستمر وانقطع لبعض الظروف . ثم في عام 1990 م باشر بالتدريس مرة أخرى فبدأ بإلقاء أبحاثه العالية في الفقه والأصول , واستمر متخذا من مسجد الرأس الملاصق للصحن الحيدري الشريف مدرسة وحصنا روحيا , لأنه أقرب بقعة من جسد أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب ( عليه أفضل الصلاة والسلام ) .

أستاذه في المعرفة الإلهية والعلوم الأخلاقية :

كان أستاذه في طريق المعرفة الإلهية والعلوم الأخلاقية هو الحاج عبد الزهراء , وكان يعتبره سماحة السيد أرقى شخص معاصر في هذا المجال , وقد تتلمذ على يديه لمدة عامين ثم وافاه الأجل (رحمه الله) عام (1400هـ/ 1980م) .

بعض مؤلفـاتـــه :

1- كتاب البيع،(تقريراً لأبحاث السيّد الخميني) صدر منه ستة أجزاء، والأجزاء الأُخرى قيد العمل.

2- بحوث في صلاة الجمعة. (فقه استدلالي).

3- مجموعة أشعار الحياة. (ديوان شعر يمثّل مراحل حياة سيّدنا الشهيد).

4- الدرّ النضيد في شرح سبب صغر الجسم البعيد. (بحث فيزيائي).

5- أُصول علم الأصول. (علم أُصول الفقه).

6- مبحث ولاية الفقيه. (فقه استدلالي اجتماعي) جاهز للطبع.

7- الوافية في حكم صلاة الخوف في الإسلام. (فقه استدلالي) جاهز للطبع.

8- مدارك الآراء في اعتبار حال الوجوب أو حال الأداء. (فقه استدلالي).

9- حكم القضاء في مدارك فقه الفضاء. (فقه استدلالي).

10-  كتاب المهدي عجل الله فرجه الشريف. وهو من مؤلّفات آية الله العظمى السيّد صدر الدين الصدر قدّس سرّه عمّ السيّد الشهيد، وعليه تعليق وتحقيق للسيّد الشهيد الصدر الثاني قدّس سرّه. (قيد العمل).

11-  محاضرات في علم أُصول الفقه، (تقريراً لأبحاث السيّد الشهيد الصدر الأوّل) صدر منه الجزء الأوّل. والأجزاء الأُخرى قيد العمل.

12-  حبّ الذات وتأثيره في السلوك الإنساني. (بحث أخلاقي) تحت الطبع.

13-  تعليقة على الفتاوى الواضحة للشهيد الصدر الأوّل. (فتاوى فقهيّة) قيد العمل.

14-  تقريرات في علم أُصول الفقه، (تقريراً لأبحاث المحقّق الخوئي). الجزء الأوّل والثاني قيد الطبع، والأجزاء الأُخرى قيد العمل.

15- كتاب الطهارة، (تقريراً لأبحاث السيّد الشهيد الصدر الأوّل) صدر منه الجزء الأوّل، والأجزاء الأُخرى قيد العمل.

16-  الكلمة الحيّة في حكم حلق اللّحية؟ (فقه استدلالي). قيد العمل.

17-  محاضرات في مكاسب الشيخ الأنصاري (أبحاث السيّد محمّد تقي الحكيم). قيد العمل.

18-  دروس في شرح كفاية الأُصول (أبحاث السيّد محمّد باقر الصدر). قيد العمل.

19-  الفلسفة الحديثة، (من أبحاث الشيخ المظفّر). قيد العمل.

20-  علم النفس، (دروس كليّة الفقه). قيد العمل.

21-  خلاصة الحكمة الإلهيّة (من أبحاث الشيخ المظفر). قيد العمل.

22-  محاضرات في الأدب العربي في العصر العباسي (دروس كليّة الفقه). قيد العمل.

23- علم الاجتماع (دروس كليّة الفقه). قيد العمل.

24ـ القانون الإسلامي وجوده صعوباته منهجه .

25ـ نظرات إسلامية في إعلان حقوق الإنسان .

26ـ ما وراء الفقه . وهو موسوعة فقهية معمقة تتألف من عشرة أجزاء .

27ـ موسوعة الإمام المهدي , في أربعة مجلدات : (الغيبة الصغرى) و (الغيبة الكبرى) و (ما بعد الظهور) و ( اليوم الموعود) . والجزء الخامس مخطوط .

28ـ أشعة من عقائد الإسلام .

29ـ فلسفة الحج ومصالحه في الإسلام .

30ـ حديث حول الكذب .

31ـ بحث حول الرجعة .

32ـ كلمة في البداء .

33ـ الصراط القويم . وهو رسالة عملية مختصرة .

34ـ منهج الصالحين . وهو رسالة عملية موسعة وشاملة لكل أبواب الفقه تتألف من خمسة أجزاء .

35ـ فقه الموضوعات الحديثة .

36ـ مناسك الحج .

37ـ فقه الأخلاق . جزءان .

38ـ فقه الفضاء .

39ـ منة المنان في الدفاع عن القرآن , صدر منه خمسة اجزاء  .

40ـ أضواء على ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) .

41ـ شذرات من فلسفة تاريخ الإمام الحسين (عليه السلام) .

42ـ كتاب الصلاة .

43ـ كتاب الصوم .

44-  دورة كاملة في علم الأصول من بحث الخارج الاستدلالي الذي حضره عند السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره) مخطوط .

45ـ دورة كاملة في علم الأصول من بحث الخارج الاستدلالي الذي حضره عند السيد الخوئي (قدس سره) مخطوط .

46ـ مباحث في كتاب الطهارة الاستدلالي في شرح العروة الوثقى من تقريرات بحث السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره) مخطوط .

47ـ مباحث في كتاب الطهارة الاستدلالي في شرح العروة الوثقى من تقريرات بحث السيد الخوئي (قدس سره) مخطوط .

48ـ بحث المكاسب الاستدلالي من بحث السيد روح الله الخميني (قدس سره) مخطوط .. وكانت المحاضرات تلقى باللغة الفارسية وسماحة السيد كان يكتب المطالب كلها أثناء الدرس باللغة العربية .

49ـ اللمعة في أحكام صلاة الجمعة .. وهو تقريرات لبحث عقده في شهر رمضان المبارك المرحوم سماحة الحجة السيد إسماعيل الصدر (قدس سره)

50ـ فقه الطب .

51ـ فقه المجتمع . طبع بعد استشهاده .

52ـ مسائل وردود . أربعة أجزاء

53ـ الرسالة الإستفتائية . ثلاثة أجزاء

54 بيان الفقه . طبع بعد استشهاده .

55ـ الأسرة في الإسلام .

56ـ رفع الشبهات عن الأنبياء .

57ـ مسائل في الحجاب .

58ـ الإفحام لمدعي الاختلاف في الأحكام .

59ـ الرد على الشبهات من السنة والآيات . حوار عقائدي مع سماحة السيد (قدس سره الشريف)

60ـ منبر الصدر أو دستور الصدر وهو مجموعة الخطب (45) التي ألقاها في مسجد الكوفة المعظم . طبع بعد استشهاده.

61ـ منهج الصدر . يحتوي على مجموعة اللقاءات السمعية والمرئية وعلى المواعظ والنصائح والإرشادات والشروحات التي ألقاها سماحة السيد (قدس سره الشريف) طبع بعد استشهاده .

62ـ مقالات الشهيد الصدر في الصحافة النجفية . يحتوي على مجموعة من المقالات في كافة المجالات والتي نشرت في الصحافة النجفية كمجلة الأضواء ومجلة الإيمان ومجلة النجف . طبع بعد استشهاده .

63ـ فقه العشائر .

64ـ كتاب الحبيب مختصر مغني اللبيب . مخطوط .

65- فقه الكيمياء.

وهناك كتب ومؤلفات ومخطوطات اخرى

شهادته :

كان من عادته (قدس سره الشريف) إقامة صلاة المغرب والعشاء في الصحن الحيدري المطهر وفي الليلة التي أستشهد فيها أقام الصلاة وذهب بعدها إلى مكتبه الشريف حيث كان من عادته أيضا إقامة مجلس عزاء مساء الجمعة ( ليلة السبت ) وبعد ذلك كله خرج ـ مع اثنان من أولاده السيد مصطفى والسيد مؤمل (رحمهما الله) ـ متوجها إلى المنزل وفي الطريق قريب المنزل جاءت سيارة ونزل منها مجموعة مسلحة من عناصر السلطة البعثية القذرة , فأطلقوا النار عليهم , حتى اصطدمت السيارة التي كانوا فيها بشجرة فوقفت , ثم نقلوا إلى المستشفى وبعد ذلك استشهد ( قدس سره ) مع أولاده السيد مصطفى الصدر والسيد مؤمل الصدر ( رحمهما الله تعالى ) في الرابع من ذي القعدة عام 1419 هـ في مدينة النجف الأشرف ، ثم نقل مع ولديه إلى المغتسل وبعد بقية المراسيم والأعمال دفنوا بمقبرة وادي السلام في مدينة النجف الأشرف. فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث إلى ربه وأجداده الطاهرين حيـــا .

 

 

 

 

المزيد في ثقافة إسلامية
المكتب الخاص / النجف الاشرف  الإمام المهدي ( عجل الله فرجه  ) ، هو آخر أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، و قد بشَّر
المكتب الخاص / النجف الاشرف اسمه الشريف ونسَبه الزاكي هو الإمام الحسن العسكريّ بن الإمام عليّ الهادي بن الإمام محمّد الجواد بن الإمام عليّ الرضا بن الإمام
المكتب الخاص / النجف الاشرف بعد ما فارق أبوطالب عمّ الرسول (ص)، وخديجة زوجته الحياة، واحداً إثر الآخر، كان لفقدهما أسوأ الوقع والأثر على الرسول (ص)،
المكتب الخاص / النجف الاشرف نــســبــه الــشــريــف : هو الإمام الثامن من أئمة الشيعة الإثنى عشرية (عليهم السلام ) حجة الحق والخليفة على عامة الخلق ،
المكتب الخاص/ النجف الاشرف                                             
المكتب الخاص : النجف الاشرف متابعة : زكي النهيري – مصطفى معله تصوير : حسن رزاق ها هم زوار ابي عبد الله الحسين(عليه السلام )