ان القارئ لهذه العبارة القرآنية الكريمة سيتسارع الى ذهنه ان المقصود منها: ( المشركون) الذين جعلوا مع الله إلاهاً اخر او معبودا اخر، كعبدة الاصنام وما شابه ذلك.
ولعل من اكبر القرائن التي يستند عليها هذا الفهم، هو كلمة (انداد) وهي جمع كلمة (ند) والند هو الضد، او قل: بمعنى الشريك المساوي والقرين، فكأنما جعلوا لله شركاءاً واقراناً والعياذ بالله.
الا انه لا ينبغي أنْ نقتصر على الفهم الحرفي واللغوي، ونُضيِّق من التفسير مع وجود سعة من الفهم وإمكان التوسعة في التفسير والتأويل.
فإنّ الندّ على قسمين:
الاول: الند المُطلَق، وهو عادة يُطلق على الاشهر والاوضح، وهو الند المادي او حتى المشهور من المعنويات.
الثاني: مُطلَق الند، ويدخل فيه كل ما يصلح أنْ يكون نداً، ولا يقتصر على فرد الواضح المعين او ما توافقت عليه الاراء بل يعم كل ما يصلح ان يكون معنى لذلك ولو على سبيل الاطروحة.
فالندّ قد يكون فكرة إلحادية، او قد يكون فعلا وعملا خارجا عن نطاق الشرع وفيه عصيان واضح لله سبحانه وتعالى.
او قد يكون حُباً لفرد وعشقاً ينسى مع ذكر الله سبحانه وتعالى.
او قد يكون جزعا شديدا من بلاء ضمن نطاق القدرة البشرية فيكون اعتراضا واضحا على الله جل جلاله.
او قد يكون اعتراضا على بلاء او حكم من الاحكام الشرعية بحيث تكون فكرة مستقلة عنه جل جلاله.
او قد تكون تكبّرا ًواضحاً بحيث يشعر انه هو الفاعل للاشياء من دونه سبحانه وتعالى.
وغير تلك الامور التي قد يعتبرها الفرد موجودة خارج نطاق الالوهية والربانية، فلا يحسن بالفرد ان يجعل من عمله ندّاً لله، او بمعنى اخر ان لا يجعلها ندّاً لحكم الله او ندا لقدرته او ندا لرحمته او ندا لكرمه او ندا لخالقيته او اي صفة من صفاته.
فإنَّ هذا ان لم يكُ ندا بالمعنى العقائدي فهو ندٌّ خفي وندٌّ مُحرّم اخلاقيا بل وباطنيا، فمن المؤمّل من كل مؤمن ان يوحِّد الله في كل افعاله واعماله وطاعته، فالرياء ايضا نحو من انحاء ايجاد الندّية له سبحانه وتعالى في توجيه العبادة.
ومنها ايضا ان الاعمال السياسية وخصوصا مع اقتراب الانتخابات واحتراب المجتمع لابد ان تكون خالصة لله ولا تجعل في عملك وفي نيتك تلك ندّاً لله تشركه معه جل جلاله، فتطلب شهرة او صوتا قبل ان تتقرب به الى الله، فالطاعة اولا وبالذات لله الواحد الاحد وثانيا وبالعرض للشعب وهي ايضا مُقدّمة لطاعته جل جلاله.
فيا ايها السياسي اعلم انه ليس لديك اي وجود خارج عن نطاق الله سبحانه وتعالى فلا تتميز ولا تغفل عن ذكر الله، والا كنت ندا فيحرم اتّباعك.