من الصعب جدا ان يتحلى الفرد بالصدق في هذا الزمن الذي صار الكاذب والمخادع هو الفائز والمنتصر والسياسي المحنك، وما دونه فهو (نصبه) وساذج وفقير وما الى ذلك من صفات قلبت فيها الموازين فجعلت السيء صحيحا والحسن خطاءا. بيد ان هذا لا يصير الفضيلة رذيلة او العكس فيبقى (الصدق) حسناً وخلقا رفيعا بل ومنجاةً، وهذا ما يجعلني اسر لكم قصة سمعتها منذ زمن طويل: حيث منعت القوات الغازية في العراق بعض المواد الغذائية ومنها (السكر) وينص القانون على اعتقال اي فرد يملك هذه المادة الممنوعة، وذات يوم اشترى رجل عجوز كيسا منه واراد ان يذهب به الى منزله الا ان القوات الغازية كانت منتشرة في الازقة والشوارع، ولكنه على الرغم من ذلك مضى قدما ليصل بامان الى منزله، الا انه لم يستطع الافلات من رجال الشرطة، فامسكه احدهم فقال له: ما الذي تحمله على ظهرك يا هذا، فقال: (سكر)، فضحك الشرطي وقال له اذهب لو كان في الكيس سكر لما اخبرتني به، اذهب. نعم، قد صدق الرجل ولم يكذب وانجاه صدقه من سجن الغزاة الظلمة، على عكس ما يحدث في ايامنا هذه التي صار (الكذب الصريح) مباحا بل جميل، الم تسمع ما حدث اليوم من اعتداء آثم على المتظاهرين في الناصرية وبغداد وكركوك وغيرها، الذين خرجوا الوفا طالبين حقوقهم بلا سلاح ولا اعتداء، الا ان الهراوات والقنابل المسيلة للدموع وخراطيش المياه قد طالت المتظاهرين العزل. فهل من صادق يخرج عبر الفضائيات ليقول نعم قد ضربناهم!؟، لكن الظاهر ان الصدق ليس هو الوحيد الذي بات نادرا بل معدوما فحسب بل ان الرحمة هي التي ازيلت من قلوبهم ايضا. فطلَّ (نوري) مرة اخرى وقال: اني ادعم المتظاهرين، ليس هذا مزحة او (كذبا) بل حقيقة فقد وصل الامر الى المخادعة ان يجمع بين الاضداد بين الضرب والدعم وبين ذلة المتظاهرين وعزتهم. يا نوري ان الصدق منجاة وان ما تقوم به ليس كذبا بل هو المكر والخديعة والطغيان، فاصدق مع نفسك واصدق مع ربك ولتكن صادقا مع العراقيين. فليس من العدل ان تدعم التظاهرات الداعمة لك وتقمع المناوئة، وعلى الرغم من ذلك كله سيبقى صوت الصدق عاليا وصوت المتظاهرين مثالا للصدق، لكن عجبي على الاخوة المتظاهرين او بعضهم ينددون بالبرلمان ورواتبه ولا ينددون برواتب (نوري) و(اسامه) و(جلال) ونوابهم (فنوري) لم يحكم الا دورة وابعاض اخرى ويستلم راتبا وامتيازات ضخمة لا تعلمونها انتم ايها الاخوة فلا تصبوا جام غضبكم على البرلمان وتتناسون الاهم، فلعل في ذلك اضعاف للبرلمان واضعافه تقوية لـ (نوري). ولا يفوتني ان اقدم بعض مخاوفي امامكم، فانه ليس من المخيف كثيرا ان يكون السياسي كاذبا لانه سينكشف لا محالة الا ان الشيء الكارثي هو ان يكون الشعب مصدقا ومصفقا للاكاذيب والخدع وهذا ما لا تحمد عقباه