الرئيسية | | ثقافة إسلامية | لمحات مباركة عن سيرة شهيد العقيدة الثائر زيد بن عليّ (عليهما السّلام )

لمحات مباركة عن سيرة شهيد العقيدة الثائر زيد بن عليّ (عليهما السّلام )

عدد القراءات : 21120

ولادته

وُلد زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام بالمدينة بعد طلوع الفجر سنة ست وستين أو سبع وستين من الهجرة . وأمه أم ولد من السِّند، وهي أم إخوته عمر الأشرف وعليّ وخديجة ، اشتراها الشهيد المظلوم المختار بن عبيد الثقفي أيّام قيامه المشرف  بالكوفة المقدسة بثلاثين الفاً وبعث بها إلى الإمام زين العابدين عليه السّلام:

يقول عمر الجعفري: كنت أدمن الحج فأمُرُّ على الامام عليّ بن الحسين عليه السّلام فأسلّم عليه، وفي بعض حججي غدا علينا الامام عليّ بن الحسين عليه السّلام ووجهه مشرق فقال: جاءني رسول الله صلّى الله عليه وآله في ليلتي هذه حتّى أخذ بيدي وأدخلني الجنة وزوّجني حوراءَ، فواقعتها، فعَلقَت؛ فصاح بي رسول الله صلّى الله عليه وآله: يا عليّ بن الحسين، سمِّ المولود منها زيداً. فما قمنا من مجلس عليّ بن الحسين عليه السّلام ذلك اليوم وعليّ يقصّ الرؤيا؛ حتّى أرسل الشهيد المختار بن أبي عبيد بأمّ زيد هدية إلى عليّ بن الحسين عليه السّلام  ؛ فلما رأينا إشفاقه بها تفرّقنا من المجلس؛ ولما كان من قابل حججت ومررت على الامام  عليّ بن الحسين عليه السّلام لأسلّم عليه، فأخرج زيداً على كتفه الأيسر وله ثلاثة أشهر وهو يتلو هذه الآية ويؤمئ بيده إلى زيد:   ( هذا تأويلُ رؤيايَ مِن قَبلُ قد جعلَها ربّي حقاً )  .

ويشهد لما تضمّنته هذه الرواية من قصة الرؤيا رواية أبي حمزة الثمالي المرويّة في مجالس الصدوق مسنداً إليه، وفي ( فرحة الغري ) للسيد ابن طاوس بحذف الاسناد.

أوّل مَن سمّاه زيداً

لا يجازف من يرتئي صدور التسمية منه سبحانه وتعالى وَحياً على لسان الأمين جبرئيل، أعلَمَ بها النبيّ صلّى الله عليه وآله حينما حدّثه بما يجري على مهجته وفلذّة كبده ( صليب الكناسة ) من الحوادث الغريبة والغريبة جداً، بعد ما يقرأ في حديث أبي ذر الغفاري وقد دخل على النبي صلّى الله عليه وآله فرآه يبكي فرقّ له وسأله عما أبكاه، فأخبره بأنّ جبرئيل عليه السّلام هبط عليه وأخبره أن ولده الحسين عليه السّلام يُولَد له ابن يُسمّى علياً ويُعرف في السماء زين العابدين، ويولد له ابن يسمى زيداً يُقتل شَهيداً.

وفي حديث الامام عليّ عليه السّلام: أخبرني رسول الله صلّى الله عليه وآله بقتل الحسين عليه السّلام وصلب ابنه زيد بن عليّ عليه السّلام. قلت له: أترضى يا رسول الله يقتل ولدك ؟ قال: يا علي، أرضى بحكم اللهِ فيَّ وفي ولدي، ولي دعوتان: أمّا الاولى فاليوم، والثانية إذا عُرضوا على الله عزّوجلّ، ثم رفع يديه إلى السماء وقال: يا عليّ، أَمِّن على دعائي: اللهمّ أحصِهم عدداً، واقتُلهم بَدداً، وسلِّط بعضَهم على بعض، وامنَعهم الشرب من حَوضي ومُرافقتي؛ ثمّ قال: أتاني جبرئيل وأنا أدعو عليهم وأنت تؤمِّن فقال: لقد أُجيبتْ دعوتُكما   .

وحديث حذيفة بن اليمان: نظر النبيّ إلى زيد بن حارثة فقال: المظلوم من أهل بيتي سَمِيّ هذا، والمقتول في الله والمصلوب سَميّ هذا. وأشار إلى زيد بن حارثة؛ ثمّ قال: ادنُ منّي يا زيد، زادك الله حبّاً عندي، فأنت سَميّ الحبيب من ولدي  .

وهذان الحديثان وان لم تكن فيهما صراحة على المُدَّعى، غير أنّه لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وَحيٌّ يُوحى، فيجب أن يكون كلّما يلفظه من قولٍ عن وحيٍ أو الهام، ولا سيما حديث أبي ذر، فإنّه ينصّ على أنّ التسمية كانت معروفة في الملأ الأعلى، وقد أنهاها جبرئيل إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله بالوحي،

قال ابن ادريس: روى ابن قولوية عن بعض أصحابنا، قال: كنت عند الامام عليّ بن الحسين عليه السّلام، وكان إذا صلّى الفجر لم يتكلّم حتّى تطلع الشمس، فجاءه يومَ وُلد فيه زيد فبشّروه به بعد صلاة الفجر فالتفت إلى اصحابه فقال: أيّ شيء ترون أن أُسمّي هذا المولود ؟ فقال كلّ رجل سمِّه كذا، فقال: يا غلام عَليَّ بالمصحف، فجاءوا بالمصحف فوضعه في حِجره ثمّ فتحه فنظر إلى أول حرف في الورقة، فإذا فيه   وفَضّل اللهُ المجاهدين على القاعدين أجراً عظيما   ثمّ فتحه ثانيا فنظر، فإذا أول الورقة  إن الله اشترى من المؤمنين أنفسَهم وأموالَهم بأنّ لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيَقتلون ويُقتَلون وعداً عليه حقاً في التوراة والانجيل والقرآن ومَن أوفى بعَهده من الله فاستَبشِروا ببيعكمُ الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم   ثمّ قال: هو والله زيد، هو والله زيد، فسُمّي زيداً.

هذا نصّ الخبر، ونحن إذا قرأناه بتأمّل نعرف أجنبيّته عن كَون الامام السجاد عليه السّلام هو المخترع للاسم، وإنّما نعرف أنّه مُتلقَّى عن آبائه الهداة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله المُوحى إليه على لسان الأمين جبرئيل؛ وممّا يكشف لنا عن ذلك اعتماده عليه السّلام في التسمية على الآيتَين الواردتين في فضل المجاهد، وعدم ارتباطهما بالتسمية لا يختلف فيه اثنان، ولكن الوجه بالتسمية بعد قراءتهما ليس إلاّ ما هو معلوم لديه عن آبائه عن النبيّ صلّى الله عليه وآله، بأنّه يُولَد له ولد يسمّى زيداً ويُقتَل شهيداً في الجهاد، فبهذه المناسبة سمّاه زيدًا عند قراءتهما، ويشهد له مجيئه بضمير الغائب حيث يقول « هو والله زيد، هو والله زيد »، فإنّه يريد أنّ ذلك المولود الذي سمّاه النبي صلّى الله عليه وآله زيداً ويُقتل شهيداً في الجهاد هو هذا.

لقبه

يلقّب زيد الأزياد  ، إشارة إلى أنه المقدَّم على كلّ الالقاب من جهة أعماله الصالحة وغاياته الشريفة التي استحق بها المدح والإطراء من الأئمة الهداة عليهم السّلام

كنيته

كانت كنيته المعروف بها أبا الحسين أحد أولاده، وهو ذو الدمعة؛ وعلى يذهب   مشهور المؤرخين وأرباب السير والتراجم.

صفاته

كان تامّ الخلق، طويل القامة، جميل المنظر، أبيض اللون، وسيم الوجه؛ واسع العينَين؛ مقرون الحاجبيَن، كَثّ اللحية، عريض الصدر، بعيدَ ما بين المنكبين، دقيق المسربة، واسع الجبهة،أقنى الأنف، أسود الرأس واللحية إلا أن الشيب خالط عارضَيه  وكان الوابشي يقول: إذا رأيت زيد بن عليّ رأيت أسارير النور في وجهه.

نقش خاتمه

كان نقش خاتمه ( اصبر تُؤجَر، اصدق تَنْجُ  )

نشأته

نشأ في حجر أبيه السجاد عليه السّلام وتخرّج على يديه وعلى الإمامين الباقر والصادق عليهما السّلام، ومنهم أخذ لطائف المعارف وأسرار الاحكام، فافحم العلماء واكابر المناظرين من سائر الملل والأديان. ولا بِدْع ممّن تخرّج من مدرسة محمودة ومناظرات مشهودة.

وكان عنده ما تحمّله آباؤه الهداة من سرعة الجواب والوضوح في البيان، ممزوجاً ببراعة في الخطاب؛ فبلغ من ذلك كلّه مقاماً لم يترك لأحدٍ مُلتحَداً عن الاذعان له وبالنبوغ، حتّى أنك تجد المتنكبين عن خطّة آبائه عليهم السّلام لم تدع لهم الحقيقة من ندحة عن الاعتراف بفضله الظاهر: فهذا أبو حنيفة يقول: ( شاهدت زيد بن عليّ كما شاهدت أهله، فما رأيت في زمانه أفقَه منه ولا أسرع جواباً ولا أبيَن قولاً.  وينفى الشبعيّ أن تلد النساء مثل زيدا في الفقه والعلم  وأما الحافظ ابن شبّة وابن حَجَر الهيثمي  والذهبي ، فكلماتهم تشهد بأنّه من أكابر العلماء وأفاضل أهل البيت في العلم والفقه.

مدرسته وتلاميذه

يظهر لكل من نظر في جوامع الاحاديث  مقاصد زيد السامية وغاياته الشريفة، في نشر ما تحمّله عن آبائه الهداة من الفضائل والمواعظ والاحكام، فإنّه لا يريد بكل ذلك إلاّ إلقاء التعاليم الدينية والأخلاقية، واصلاح أمّة جدّه صلّى الله عليه وآله بتهذيب اخلاقها وارشادها إلى نهج الحق واستضاءتها بنور ذلك الدين الحنيف. ومن هنا كان مصدراً لجمع كبير من حملة الآثار وعليه مُعوّلهم، لما عرفوا منه غزارة في العلم ونزاهة في التحمل والنشر.

ومن أسماء من أخذ عنه:

ابنه يحيى ومحمد بن مسلم ومحمد بن بُكير وعبيدالله بن صالح وهاشم بن البريد وأبو جعفر بن أبي زياد الأحمر وأبو الجارود زياد بن المنذر وكثير بن طارق وعمر بن موسى بن الوجهي وعبيدالله بن أبي العلاء ورزين بياع الأنماط وأبان بن عثمان الأجلح والفضيل وعمر بن خالد والزهري والاعمش وسعيد بن خثيم وإسماعيل السدي وزبيد اليامي وزكريا بن زائدة وعبدالرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة وابن أبي الزناد   وفي التحفة الاثنى عشرية لعبدالعزيز الدهلوي أن أبا حنيفة أخذ العلم والطريقة من الإمام الباقر ومن الصادق عليهما السّلام ومن عمه زيد بن عليّ بن الحسين عليهم السّلام. وفي الروض النضير تتلمذ أبو حنيفة على زيد مدة سنتَين، ولم يمنعه من التجاهر بذلك إلاّ سلطان بني أمية. وكان سلمة بن كهيل ويزيد بن أبي زياد وهارون بن سعيد وأبو هاشم الرماني وحجّاج بن دينار في عدد كثير من فقهاء الكوفة يأتون إلى زيد ويأخذون منه العلم والفقه، وكانوا على رأيه، وتروي الزيدية أن جماعة كثيرة روت الحديث عن زيد، و أنّ آدم بن عبدالله الخثعمي وإسحاق بن سالم وبسّام الصيرفي وراشد بن سعد الصائغ وزياد بن علاقة وعبدالله بن عمرو بن معاوية حملوا الحديث عن زيد.

زهده وعبادته

قال أبو الجارود: قدمت المدينة فجعلت كلما أسأل عن زيد قيل لي: ذاك حليف القرآن، ذاك أسطوانة المسجد  ، من كثرة صلاته وعن عمير بن المتوكل بن هارون البلخي، عن أبيه، عن يحيى بن زيد، وفيه قول يحيى للمتوكّل: يا عبدالله، إنّي أخبرك عن أبي وزهده وعبادته، إنّه كان يصلّي الفريضة، ثمّ يصلّي ما شاء الله، ثمّ يقوم على قدمَيه يدعو الله إلى الفجر يتضرّع له ويبكي بدموعٍ جارية حتّى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر قام وصلّى الفريضة، ثمّ جلس للتعقيب إلى أن يتعالى النهار؛ ثمّ يقوم في حاجته ساعة، فإذا كان قرب الزوال قعد في مصلاّه سبّح الله ومجّده إلى وقت الصلاة، وقام فصلّى الاولى وجلس هنيئة، وصلّى العصر وقعد في تعقيبه ساعة ثمّ سجد سجدة، فإذا غابت الشمس صلّى المغرب والعتمة: قلت: كان يصوم دهره ؟ قال: لا، ولكنه يصوم في السنة ثلاثة أشهر، وفي الشهر ثلاثة أيّام. قلت: وكان يُفتي الناس ؟ قال: ما أذكر ذلك عنه.

أدعيته

روى الحافظ ابن عساكر بترجمة زيد من تاريخ الشام ج 6 ص 18 عن عبيد بن محمد بن علي، قال: كان من دعاء زيد بن عليّ عليه السّلام قوله:

اللهمّ إنّي أسألك سلوّاً عن الدنيا وبُغضاً لها ولأهلها؛ فإنّ خيرها زهيد؛ وشرّها عتيد؛ وجمعها ينفد؛ وصفوها يرنق؛ وجديدها وخيرها ينكد؛ وما فات منها حسرة؛ وما أُصيب منها فتنة؛ إلا من نالتْه منك عِصمة. أسألك اللهمّ العصمة منها؛ ولا تجعلنا كمن رضي بها واطمأنّ إليها؛ فإنّ مَن أمنها خانته، ومن اطمأنّ إليها فجعَتْه.

أعوذ بك اللهمّ مِن مثل عمله؛ ومثل مصيره؛ ثم قال: كم لي من ذنب وسرف بعد سرف، قد ستره ربّي وما كشف؛ أجل أجل ستر ربي العَورة، وأقال العثرة، حتّى أكثرتُ فيه من الإساءة وأكثر ربّي فيها من المعافاة؛ إني لأستحي من عظمته أن أفضي إليه بما أستخفي به من عبدٍ له؛ وبما أنه ليفضح من هو خيرٌ مني فيما هو أدنى منه، ثمّ ما كشف ربّي لي فيه ستراً، ولا سلّط علي فيه عدواً، فكم له في ذلك من يدٍ ويد ما أنا إن نسيتها بذكور، وما إن كفرتها بشكور، وما ندمت عليها إذا لم أُعتبك منها. ربِّ لك العُتبى بما تحب وترضى، فهذه يدي وناصيتي، مقرّ بذنبي معترف بخطيئتي، إن أُنكرها أُكذَّب، وإن اعترف بها أُعذَّب، إن لم يَعفُ الربّ، ويغفر الذنب، فإن يغفر فتكرّماً؛ وإنّ الله ليس بظلاّم للعبيد، فهو المستعان لا يزال يُعين ضعيفاً؛ ويُغيث مستغيثاً؛ ويُجيب داعياً؛ ويكشف كرباً؛ ويقضي حاجة ذي الحاجة في كلّ يوم وليلة؛ أجل أجل أنت كذاك وخيرٌ من ذاك.

أدبه

من ذلك نعرف أنّه سالك في كل آنائه طريقة آبائه أمناء الحق عليهم السّلام من الذِّكر والابتهال والصلاة؛ وأنّ الغاية المتوخّاة له ليست إلا الخضوع لله سبحانه كما عليه الأولياء المتضرّعون والأبرار المتبتّلون؛ الذين اتخذوا الذكر والبكاء سميرًا لهم عند الوحشة والفراغ من واجب أمر المعاش.

   البراءة من دعوى الإمامة :

من الجلي الواضح بُطلان نسبة دعوى الإمامة لتلك النفس المقدسة والذات الطاهرة ، وكيف نستطيع أن ننسب له ذلك ونحن نقرأ جوابه لولده يحيى حينما سأله عن الأئمة الذين يلون الخلافة وعليهم النص من النبي ( صلى الله عليه وآله ) .

فإن فيه صراحة بالبراءة من دعوى الإمامة ، واعتراف باستحقاق الإثني عشر من أهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) للخلافة .

وهذا نص الحديث الذي يحدثنا عنه الحافظ علي بن محمد الخزاز الرازي القمي في كفاية الأثر ، بإسناده إلى يحيى بن زيد قال :

سألت أبي عن الأئمة ( عليهم السلام ) فقال :

الأئمة إثنا عشر أربعة من الماضين ، وثمانية من الباقين .

قلت : فسمِّهم يا أبت ، قال :

أما الماضون فعلي بن أبي طالب والحسن والحسين وعلي بن الحسين ( عليهم السلام ) ، وأما الباقون فأخي الباقر وابنه جعفر الصادق ، وبعده موسى ابنه ، وبعده علي ابنه ، وبعده محمد ابنه ، وبعده علي ابنه ، وبعده الحسن ابنه ، وبعده المهدي .

فقلت : يا أبتِ أَلَستَ منهم ؟ قال : لا ولكن من العترة ، قلت : فمن أين عرفت أسماءهم؟ قال : عهد معهود عهده رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

ثورته :

إن السياسة الظالمة التي انتهجها الحكام الأمويون ، وبالخصوص هشام بن عبد الملك كانت من أسباب ثورة زيد الشهيد  ، فالحكام  فضلا عن اجرامهم بحق عترة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كانوا قد فرضوا ضرائب إضافية كالرسوم على الصناعات والحرف وعلى من يتزوج ، أو يكتب عرضاً .

وقاموا بإرجاع الضرائب الساسانية ، التي تُسمى هدايا النيروز ، وكانوا في بعض الأحيان يتركون للولاة جميع ما تحت أيديهم من الأموال التي يجمعونها من الضرائب وغيرها ، وعلى سبيل المثال ترك الخليفة لواليه على خراسان مبلغ عشرين مليون درهم ، وضمها الوالي لأمواله الخاصة وأخذ يتصرف بها كيف يشاء وهي من أموال المسلمين .

هذه صورة مصغرة عن الوضع الاقتصادي المتدهور وسوء توزيع الثروة المخالف لمبادئ الإسلام وقوانينه ، بالإضافة إلى الظلم السياسي والقتل والإرهاب .

كُل ذلك دعا زيد إلى الثورة ضد اللعين واللقيط  بن اللقيط  هشام بن عبد الملك ، واختار الكوفة منطلقاً لثورته ودعا المسلمين لمبايعته ، فأقبلت عليه الشيعة وغيرها تبايعه حتى بلغ عددهم من الكوفة فقط خمسة عشر ألف رجلاً .

علق الكثير آمالهم على ثورة زيد ( عليه السلام ) ، وكانوا يلحون عليه بالإسراع في ذلك ، ولكنه لم يعلن الثورة من أجل أن يتولى الخلافة والإمامة بنفسه لأنه كان يعرف إمام  زمانه  ، بل كان يدعو إلى الرضى من آل محمد ( عليهم السلام ) طالباً الإصلاح في أمة جده التي أذاقها الأمويون الظلم والجور .

شهادته :

ثار زيد مؤدياً تكليفه الشرعي واستشهد في سبيل ذلك في الكوفة سنة ( 121 هـ ) ، فأمر اللعين واللقيط  هشام بإخراج جثته من قبره وصلبه عرياناً .

فكانت شهادته والتمثيل به حدثاً مروعاً هزّ  وجدان الأمة الإسلامية ، وأذكى فيها روح الثورة ، وعجل سقوط الحكم الأموي .

إذ لم يمضي على استشهاده أكثر من أحد عشر عاماً مليئاً بالثورات والأحداث والانتفاضات حتى إنهار الحكم الأموي وولى إلى الأبد .

روى جابر بن عبد الله الانصاري عليه رضوان الله تعالى  بخصوص زيد الشهيد عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) للحسين ( عليه السلام )  :

  يخرج رجل من صلبك يقال له زيد ، يتخطى وأصحابه يوم القيامة رقاب الناس غُراً محجلين ، يدخلون الجنة بغير حساب ) . [ مقاتل الطالبيين : ص 130 ] .

ما قاله السيد الشهيد الصدر (قدس سره) في حق زيد (عليه السلام)

قال السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر (قدس سره ) في كتاب ( شذرات من فلسفة تاريخ الحسين عليه السلام )  : الفكرة العامة بعلاقة حركة الحسين عليه السلام  بالتحركات ضد الظلم عموماً وخاصة التحركات التي حصلت من أولاده وأولاد عمه (الحسنيين والحسينيين) فإنها علاقة وشيجة بلا شك وأشهرهم زيد بن علي وهو ابن السجاد عليهما السلام  العامل بالتقية.

وخاصة حينما يسمعون قول الحسين عليه السلام  : (وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله ص آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر) أو يسمعون قوله عليه السلام : ( والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد) وغير ذلك من الكلمات التي تلهب الحماسة في نفوسهم لتحمل الأذى والموت والشهادة في سبيل رفع الظلم عن المجتمع، أو التقليل منه حسب الإمكان. وقد أعطى مثالاً واضحاً وواسعاً وعظيماً للتضحية في سبيل الدين والحق.

وقال قدس الله سره : إن بعض الثوار كان فعلاً على اتصال بالمعصومين عليهم السلام  ولعلهم أذنوا لأمثال هؤلاء سراً لأجل وجود مصلحة أكيدة في التحرك الشيعي ضد الظلم، من حيث لا يكون انتسابه إلى المعصومين عليهم السلام  موجوداً. ومن أوضح مصاديقه زيد بن علي عليه السلام  فإنه ابن إمام وأخو إمام. وكذلك صاحب فخ الذي كان في غاية القدس والتقوى وتمثل واقعته بطف كربلاء لا يفرق عنها إلا بشخصية الحسين عليه السلام إنه يمكن القول إن الإمام زين العابدين عليه السلام بالرغم من سلوكه مسلك التقية المكثفة وعدم التعرض للجهاز الحاكم لا بالقليل ولا بالكثير إلا أن عاطفته بينه وبين الله تعالى لم تكن كذلك بطبيعة الحال. فهو الموتور بأبيه وبأهله ونحو ذلك من الأمور، فكيف يستطيع أن يرضى عن الناس الذين قتلوا أهله؟ فيمكن أنه قدم ولده الذي هو زيد كثائر ضد الأمويين ورفع الصوت بمناوءتها وشجبها. ومع ذلك فهو لم يتخل عن مسلكه ذاك ولم يدعه بصراحة، إلا أنه كان يستطيع أن ينهاه ولو نهاه لانتهى ولكنه سكت عنه على أقل تقدير

فسلام عليه يوم ولد وسلام عليه يوم  استشهد وسلام عليه  يوم يبعث حياً ، وهنيئاً له الجنة مع الشهداء والأنبياء والصالحين

 

 

المزيد في ثقافة إسلامية
المكتب الخاص / النجف الاشرف ولد الهدى فالكائنات ضياء     وفن الزمان تبسم وثناء  نعم وكيف لا تكون الكائنات ضياء وقد ولد الصادر الأول والنور الأعظم
المكتب الخاص / النجف الاشرف  الإمام المهدي ( عجل الله فرجه  ) ، هو آخر أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، و قد بشَّر
المكتب الخاص / النجف الاشرف اسمه الشريف ونسَبه الزاكي هو الإمام الحسن العسكريّ بن الإمام عليّ الهادي بن الإمام محمّد الجواد بن الإمام عليّ الرضا بن الإمام
المكتب الخاص / النجف الاشرف بعد ما فارق أبوطالب عمّ الرسول (ص)، وخديجة زوجته الحياة، واحداً إثر الآخر، كان لفقدهما أسوأ الوقع والأثر على الرسول (ص)،
المكتب الخاص / النجف الاشرف نــســبــه الــشــريــف : هو الإمام الثامن من أئمة الشيعة الإثنى عشرية (عليهم السلام ) حجة الحق والخليفة على عامة الخلق ،
المكتب الخاص/ النجف الاشرف