المكتب الخاص / النجف الاشرف
منذ الأزل، سار بهم قطار الغربة، على سكك الأقدار، في أزمان ليست لهم ، وبمراكب الصبر، تجري أحمال الهموم والمعاناة ، كلٌ يقطع طريقه، وما بين سهام البغي وسموم الغدر، نال القدر نصيبه، وما بين ثنايا الظلام ولسان الفراق، لفظ البرّ رحيله، وما بين قيود القدر وقضبان القضاء، خط الموت سبيله، وعلى المطامير والجدران، لم يزل يتلألأ بريقه، رحيل جاء على عجل، وأقبل في غير الأوان، تائه في الوديان السحيقة، فتوهج الشوق من قلبه، كنار القرى، تحنو للأحبة فكان الوهج دليله، زمنٌ سلب منه ثوب النهار، و تعرى حين بانت ظلمته، فبات يخشى العار، فكساه الطهر ستر العفاف، من بردة أنينه، في حجره توسد الليل، ويبيت كالطفل في مضجعه، لينتفض الطهر كالشمس باسقاً، وتنحني الأفلاك المهيبة، أسد بغداد لسان الحق، همسه زئير الثورة ، نعم توسد الجسر لبرهة، ولكن ضمير الأحرار يبقى عرينه.
ترجل القمر من علياءه، لينثر نوره للخليقة، فتوارت في الظلام بدعهم، وارتدت الأيام لباس التقوى، قمر علوي، أرادوا إغراقه في بحور المطامير، ففار طوفان الهدى من ردائه، واحتوى السجن والسجان، والليل والأحزان، وتشبثت بأذياله القضبان، وعانقت أطرافه السلاسل، وارتفعت القباب سفينة، تبحر في بحور القرون والأزمان، تطوف حولها آلامٌ وآمال، بأمواج ولائية.
في يوم الرحيل، تأن الجدران لأنينه، وتجري السلاسل كالدموع على ثرى الفراق، مع سيولها المنهمرة، تعصف ذكرى الشهيد، وتحضره وقائع كربلاء، ليشم الغريب منها عبق الطف ، وتلوح في افقه رؤوس الأجداد، وينزف قلبه لقساوة الظمأ، وعلى ظهر الجسر، أذن الفراق، بنبرة الغربة، وكبّر الرحيل بصوت الأحزان، واصطفت ذكريات الأهل البعيدين، وفي قلوب المحبين، توقدت نار الاشتياق، فتوهج الوفاء، لتجري الدموع على هداها، وتنحدر على وجنات الألم ، لترسم لوحة اللوعة، بحروف ملونة بألوان الحزن، من سيوف غرست في قلوب العترة، وأكباد مزقتها السموم ، وجراح الإنسانية النازفة، ومخالب شوهت وجه الوطن.