المكتب الخاص / النجف الاشرف
من شعبان المودة، فاحت نسائم الانتظار، وتفتحت أزاهير الصبر، لتملأ الوجود عبقا، ليلة غمرتها السعادة، وطافت بأمواجها الافراح، ليلة كالبحر، يجري بها ميزان العدالة، وتلألأ في سماء الصبر، نجوم من عيون المستضعفين، تنحدر منها الدموع، طرف لها يجري مودة، وآخر يتلوى شوقاً للقاء، ليلة ليست كباقي الليالي.
نجومها تبتسم ، والقمر يطوف في الوجود، ينثر المحبة، شعبان نهر كوثري، تغترف منه النفوس، برداً وطيباً ، ينحدر لوديان الضياع، يبعث وجودها شجراً اخضراً، تتدلى أغصانه على الارض، تعانق ثراها، وآثار مهديّها، شعبان جبل، فار بركانه، ومزق الياس، ليرتدي حلة الانتظار.
يا أيها المطل علينا هذه الليلة، من سفوح الانتظار، صدى انينك متوهج بوجداننا، تناديك الأرواح المظلومة بصوت آهاتنا، ونناشدك بالدموع، ونتضرع بالبكاء، ونسجد على عبراتنا، يا ايها المستنشق من عبق حِراء، والمبصر من جدار البيت العتيق، يا مكبر الله في الاصلاب، وحامده في المحاريب، أصبحنا قصة الحزن وغيابك عنواننا، نجري في صحارى القرون، ارهقتنا مطبات الوجع، وغرقنا في بحور الصمت، نبحث عن صيحاتنا، اين رايتك الخفاقة والسارية، ونشيد الطلعة وايماننا، اين العدل والميزان وسلاسل الظلم تأكل أعناقنا، ننثر القلوب ورودا في طريقك، والدماء درعك يا امامنا.
أقبل فالأرواح عطشى، كعطشى الطف، فلا نرى بلسان السبط قطرة، ولا قربة المغوار ترانا، ولا خيمة لم تمزقها سهام البغض، ولا صرخة للحق لم تفـدَ من دمائنا، ولا فجر من الكرام يبزغ، إلا وهبت الصفراء ظلماً وطغياناً، هلمّ الينا يا بن الحسن، فغرماؤك عاثوا الفساد في البلاد، واصبحنا غرباء في أوطاننا.
من بين سحب الدهور، وركام السنين، يلوح الضياء، بازغاً بالأمل، مبشراً بالموعود، أمل ابيض ينبعث من نقائه، دفء محمدي، وسؤدد علوي ذي النسائم الفردوسية، أمل تربى بحجور العترة، حملته الملائكة، رضع الوفاء من الأتقياء، تلاقفته أرواح وأجيال، ودون هيبته انحنت الجبال، ومن طلعته تأفل الأقمار خجلاً، يسير واثق الخطى، بمدار الكبرياء، يداه أزمنة تطوي التواريخ، أنامله أعمدة، تمسك ظل السماء، محطاته حياة تلهم الدروس والعبر، أمل انساني تحن له النفوس الموجوعة، يداعب الآلام المستعرة، بأنامل الصبر الجميل، ونور يتوهج عظمة، يتقلب بوجدان الأجيال، ووحي يستوطن الضمير، ينادي بصوت ملائكي، حيّ على الإنتظار.