قمرٌ في ظلمة الطف، طاف نوره قبل الأوان، بازغ حتى في عرجونه، وفيٌّ في زمن الغدر والخذلان، يشع نوراً من هدى الإمامة، ويدور شوقاً في ليالي الهجران، يقطع مسافات الصبر، يغص بمرارة الصبر، ليسمو عالياً في سماء كوفان، مزق ستائر الليل بنحره، وكبّل الطغاة بحبال البيان، هائماً بلا إخوة ولا رحم يؤازره، دليله الغادر والماكر غدا له العنوان، وحيداً في ديار الغربة، غربة الغدر لا غربة الأوطان، اقتيد أسيراً لسطح "الإمارة"، لتقوم الملائكة بتشييعه للفردوس والرضوان.
في شهر الحجيج لبّى السفير دعوة الإيمان، وارتدى الإحرام من نسيج المروءة، وازدلف بحب العترة خير الأنام، وعلى صعيد العرفان ألقي جبلاً، سفوحه أذرع تحتضن الإنسان، بين الحب والمودة يسعى قلبه، ويلبي بالولاء نبضه زاهي الألوان، ليتوهج من حرارة الخشوع، في مناسك الوجدان، يرمي بجمرات صبره، معاقل الجور والطغيان، مهاجراً في سبيل الله قصده، بسفينة بحرها القرآن، ماضياً دليله السماء، متقلباً بين الأيام والوديان، حاملاً عبء السفارة على مناكب الإيمان.
جاء ليعلن الفداء، ولترتفع راية التضحية، راية نسجتها النحور، ساريتها الأيام والدهور، في كربلاء جاء ليبشر بشروق الثورة، ولتنحدر من شعاعها فيوض التحدي، وليعلو هديرها بالإباء، جاء ليكشف الغبار، عن حضارة الطف، ولينشر على الملأ خريطة الخلود، عنوانها الحسين والكبرياء.
في يوم الشهادة، تبين خيط الفداء، في جبين الصادقين، في يوم التضحية، تمت صلاة العاشقين، أذانها تكبير النحور، معراجها مسيل الدماء، في يوم الوفاء، جرى نهر الإيثار ولم يزل بالجود يجري، ضفة بنحر الطهر (مُسلم)، وأخرى بنحر الطهر (هانئ)، وحبال البغض عانقت أجسادهم، والتفت حولهم سلاسل الظلام، والمشاعل تلثم جراحهم، وأسواق الخنوع بالشماتة مكتظة وبالآثام، وهتاف الأبطال: لبيك يا حسين، شعار الأحرار الخالدين، في الضمير يصدح مدى الزمان.
عظم الله أجوركم بذكرى استشهاد سفير الضمير الإنساني وأول شهداء الطف مسلم بن عقيل (عليه السلام) و الصحابي الجليل هانئ بن عروة (رضوان الله تعالى عليه).