المكتب الخاص / النجف الاشرف
عطشت الحياة لكوثر ، فراحت تغدو بلهفة ، على الوديان ، تجر بحافرها اليأس ، فلا وصال يرتجى ، ولا حِسان تؤمّل ، ثم لاقت بئس ما لاقت ، سراب يحسبه الضمآن ماءً ، وبغض وذل وهوان ، وعيون النقاء مغمضة ، لا دمع منها يجري ، ولا برد ، ولا نضارة تسر بها ، ولا ألـوان ، فتصرمت بقايا الحياة ، واكفهرّ وجه الامان ، وضاعت الآمال في وعورة الليل ، أين الدليل به يهتدى بل اين العنوان ، وانصهر الحب في هجير البعد ، وتلاشت جداول الازمان ، ليكتوي النقاء بعقوق الجفاء ، ويُلسع من لهيب الصدود ، الذي أذبل الودّ والحنان ، قلوب مزقتها مخالب الفراق ، وذاق بها الوسع ذرعاً ، فاستغاثت : اين الشموس من شعبان؟.
أقبل شعبان رسولاً ، كفاه فاتحة القران ، يتلو العصمة آياتٍ ، يروي ظمأ الخليقة ، من كؤوس الاطمئنان ، أقبل الايثار فارساً ، يرجز الوفاء ، يصول حياةً في الميدان ، أقبل النبراس نوراً ، شعاعه سرمدي ، يناجي الروح والوجدان ، جاء شعبان من أقاصي الزمان ، يسعى بقافلة الرحمة والرضوان ، تحمل هوادج الصبر والسلوان ، تقطع مسافات الصبر ومرارته ، وفوق نوقهِ المشرقة ، لاحت في الافق شموس الايمان ، وتقطعت اوصال السنين العجاف.
بزغ في شعبان قمرٌ ، في مدار الكوثر مولده ، ذي طلعة بهية ، وروعة محمدية ، باسقٌ منذ الازل ، باقٍ على طول الزمن ، ينبثق منه شعاع الطف ، وهيبة ملائكية ، قمر دائب ، ينبض وجوداً ، في قلوب الافلاك والحياة ، فغدا قطب الضمائر ، تهفو اليه قلوب الاحبة ، وتهتدي به البصائر، حوله تدور الكرامة ، يأتزر بالإباء ، يفوح منه عطر الوفاء ، و"الثورة الكربلائية".
وقمرٌ أزهريّ ، في شعبان إطلالته ، كأنه قربة ، تنضح ايثاراً ، تجري كالسفينة ، في بحور الوفاء ، شراعها أكف سخية ، رياحها نفوس ابيّة ، تعانقها أمواج علوية ، لترسو على سواحل المحبة ، قمرٌ هاشمي ، هامته منارة ، شاخصة بالكرامة ، في عنان التاريخ ، وعينه المضيئة ، لم تزل نضاحة ، بالأخوّة الصادقة.
وقمرٌ سجّادي ، يحمله الثناء ، يضيء بصيغة الحمد ، هللت مساجده السبع ، نطقت جبهته ، بالمثان السبع ، رسمت انامله ، خريطة الايمان ، والعترة بوصلةٌ ، حروفها نبع ، تروي الوجدان ، خطت على صحيفته ، رسالة سمحاء ، تخضرّ بها القلوب القواحل ، ويرتوي منها ضمير الانسان.