
المكتب الخاص / النجف الاشرف
يمر الزمن وتمضي القرون والعقود ، وتنكث البيعة هنا وهناك تنقض العهود ، وغدرة الحقد بسوط السموم، واخرى ببغض الضربة عند السجود، وتنقص المودة من اطرافها ، ويشاع الهجر ويدعى للصدود ، ويبقى نور العصمة دؤوباً ، كالرحى يدور حول الوجود ، يشع منها نور النشأة ، فيمضي جريئاً نحو الخلود ، مصابيح في ليالي الدجى توقدت ، لا تحد ضياءها أي حدود ، قرابين لله نذروا ، دماء الطهر عن الحق تذود ، أئمة هدى وهبوا السعادة ، فما كوفئوا غير الجحود.
ما جفت الصحف ، وما تقاعست الأقلام ، وما تعبت الشمس ولا القمر من طول السفر ، وهدير الأمواج ما زال مناجاة تبحر به السنين ، ومداد العترة لم يزل نبضاً، يخفق بالحياة تحت اضلع المؤمنين، وفجرهم ثورة ابطال يزيل ليل الظالمين ، لعلومهم زئير ، يرهب الفتن ، وتفر منه بدع المنافقين ، ولصبرهم ظل برده السلام ، تفيء تحته آلام المضطهدين ، وارادة كالجبال باسقة ، تسجد على سفوحها جباه المتيقنين.
في حقبة الحقد ، نفثت سنين الظلم سمومها، وامتدت لتعبث بآيات السماء ، ولتزيل اوتاد الارض ، وراحت تدس الخيانة ، فغرست مخالب البغض بكبد الصادق ، لتتلوى الآيات ، وتضج السور ، وليكسي ظلام الجاهلية وجه السلام ، وليقوم الطغاة بمقام الاولياء ، فعبث الفاسقون بالدين ، ليحزن الاذان ، وتندحر الصلاة ، عزموا على تلويث النقاء ، وقتل الارادة وذبح الحياة.
في يوم الظلم ، اذعن العتاة للشيطان ، واعلنوا له الولاء ، وانقادوا لأمره صاغرين ، ورضوا بخزي الدنيا وعذاب الآخرة ، فسلكت سمومهم عروق النبي ، وقطعت كبد سليل الاتقياء ، لتبكيه العلوم وتنعاه الصلوات ، وامتزج الدمع والذكرى ، لتنحدر على خد المحن ، وانحنت المنائر ، وتلعثم صوت الاذان ، في يوم الغدر ، دنت سموم البغض من احشاء النقاء ، لتقطع كبد التوحيد ، وتستحل حرمات الله في طغيانها.
مضيت أيها الصادق على براق الصبر ، ولم يزل ثغرك يعطر اسماع الزمن ، مضيت ايها البر جريح القلب ، ولم يزل علمك درساً يزين فصول المعرفة ، مضيت يا سليل النبوة على صهوة الألم، ولم يزل صبرك سكوناً للنفوس المظلومة ، مضيت أيها النور نبعه النبوة ولم يزل بهاؤه فجراً للحامدين ، مضيت وخطاك طريق القرآن لم يزل يقتفي آثاره المؤمنون.