المكتب الخاص / النجف الاشرف
دنا القضاء واقترب القدر، وتلوح في الافق ظلامة، ، تنبع من أقاصي الجاهلية ، ومن كهوف الكفر، وغيوم السواد عادت لتغطي السماء ، وعلى ثرى البقيع تنحدر، اتت من معاقل الشرك وحيث النفاق لتنتشر، واقبلت رايات البدع ، تحملها ايادي الخيانة، وأكف الغدر، بألسنةٍ يسيل منها حقد اللئام، تنفث السموم على قمم الفخر، فامتدت معاول ابليس وشياطينه، ورياح البغض هبت ، من تلقاء أمية حربٍ ودهاليز صخرٍ، كأنها أكف الرذيلة تمطر الشر، تصفع وجوه القباب ظلما ، بفتاوى الظلم والجور ، هبت رياح الفسق ، تمتطي ظلام الغابرين، وتقتفي اثار الاشياخ في بدر، وعاد اليوم أبرهة العصر، ليؤم سلالة الطلقاء، ومنابت العهر، هبوا جميعا ليوئدوا الحياة بلا ذنب، ويخدشوا الجمال ويعبثوا بالنقاء بلا عذر، عادوا ليُدموا جبهة العشق ويُمثلوا بوجهها النظر، وجوههم مسودّة بالذل ، ناقمون من كل شاخص، عادوا من حضيض السفالة، ليبعثوا جبروت النمرود، ويقيموا طغيان فرعون، على حضارة الافذاذ، هُرِعوا كالوحوش، ليُدنّسوا القداسة ويسلبوا البر ويعيشوا في شقاء وتعاسة.
في ربيع الفطر، حرقوا الورود ، ونثروا الشر والجمر، واطفأوا الشمس ، بوابل الدخان وفتاوى المكر، فتناثر الرماد في مديد العمر، وغرس اللوعة في براعم السنين، لتتقدح كل عام بالنحيب المر، وثرى البقيع كثرى الطف حزين، يلوح في وجهه الكدر، يئن
أنين الثكالى، وينوح نياح السبايا ، وعلى خده ينزف دمع اليتامى المحمرّ، ويسمع عويله ، عند كل فجيعة وفي مراقد الطهر، وهناك عينان للنبي ترتديان الدموع ثياباً وتأتزران الحزن، وترمقان الحطام بأليم النظر، والزهراء تستغيث السماء، وبيت احزانها بالحسرات اعتبر، وحروف الذِكر هطلت كالدمع في البقيع، لتجري آياتها كالنهر ، وبين القبور تبكي البسملة، وبصوت الانبياء تنوح السور.
في يوم الفجيعة، حُزّت نحور الصبر، وقطعت اوداج المنائر، وقطعت اوصال القباب ، وانتشر رماد البقيع ، ليكوي الفضاء كالجمر، وعلا تكبير الكرام المحدقين ، يزلزل الاكوان، ينتظرون الامر، ليرسلوا حاصبهم الى الطغاة، ويخسفوا الارض بالأراذل ، ويطمسوا وجه المنافقين المكفهر.
في يوم الفجيعة ، سلب رداء البقيع، وحضرت من فورها كربلاء، لتلقي عليها بردة الطهر، وجاء الطف حاملا قِرَب الإيثار، مملوءة بدموع الظليمة ، ليسقيها من برد الصبر، ومن هناك ، من حيث الطلوع ، هتف الفجر، وملأ الاجواء صوت الامل، منادياً بصوت المنتظر، غداً سترتفع البقيع منارةً فوق الزمن ، وتعلو المنائر سيوفاً لتبيد الشر، غداً ستعلو القباب دروعاً فوق المحن ، ويأمن بظلها المظلوم من البشر.