المكتب الخاص / النجف الاشرف
قليلة هنّ النساء العظيمات اللاتي قد حضي التاريخ بوجودهنّ فيه واحتلالهنّ مساحة من مفاخره , وإذا كان التاريخ عبارة عن سجل لسرد الأحداث والوقائع فلا قيمة له ما لم تتألق بين طياته دروس وعبر ومآثر ومن روائع العناوين والصور التي يحق للتاريخ التباهي بها، هي صور الوفاء والإيثار والصبر والحنان , فكانت أم البنين "عليها السلام " متصدرة لتلك العناوين و كانت صورها غير كل الصور حيث كانت أماكنها في أعالي جدران الشرف لأن روعتها قد فاقت حد الاستيعاب بل إنها كانت ناطقة بلغة الضمائر تحاكي إنسانية الإنسان و تختزل الفوارق بألوان الفخر الزاهية صور كانت لها روح تحرك المشاعر وتتجلى لناظرها بأبهى ملامح الكمال.
تتلعثم كلمات الوصف والمديح عند الوقوف أمام هيبة هذه المرأة العظيمة فحروف التعبير رحلت بعيدا عن مواقعها إجلالا لهيبة اسمها, وحروف الوصف عجزت هي الأخرى عن الصمود أمامها فراحت تتلمس وجودها بمعاني ذلك الاسم لعلها تتشرف بوصلها، أم البنين ليست فقط نموذج من النساء الرائعات اللواتي تزينت بهنّ كتب السير والتراجم , ولا مجرد امرأة قد ازدانت بها الاحساب والأنساب ,إنها شجرة الإخلاص تقدّحت من أغصانها براعم الفداء , إنها وطن الإيمان توسد في حجرها رمز الإباء ثم أرضعته صدق الانتماء فترعرع فتيا ليكون راية حق ترفرف في عنان السماء يقطر منها دم ملأ سوح الوغى عبق الحرية تشمه الأجيال فراحت تتّبع أثره لتصل إلى جبال الشموخ , وطن ارتمت في حضنه ذكريات المودة وراحت أنامله تداعب ثغور فتية باسمة وعيون تتلألأ وكأنها تريد اختزال الزمن بنظراتها وكأنها تريد طي المسافات بلهفتها لتصل الى يوم الفداء الأعظم ويوم الوفاء الأكبر الذي احدث في الوجود انعطافة كونية . بل هي نهر معطاء لازال يجري في صحارى القرون يروي النفوس معاني الوفاء بل هي مشكاة النبل في عوالم ندرة النور, تربع الصبر في قلبها ليبزغ بدرا في ملاحم اللقاء . أم البنين جوهرة من جواهر الإيمان مكنوزة في كبد الإخلاص تناثرت فلذاته يوم الطف كلؤلؤ احمر امتزج مع رمال كربلاء فأصبحت لوحة عشق أزلية . أم البنين صوت شجي يناغي لهيب الخيام المحترقة وانين يعانق عبرات المسبيّات ونظرات تلاحق صبية فروا في الفلوات , إنها مدرسة في دنيا العفاف والشرف تغذي الأجيال باعذب معاني الصدق وبأروع المواقف كل واحد منها يدعو للذهول , أم البنين مفخرة التاريخ توضأ بدمعها الإيثار ومسحت بكفيها وجه الوفاء فازداد بياضا ليتألق عبر الأجيال ,من مثلها ولها قلب أصبح قربةً ملؤها الحنان سقت منه غربة الحسين "عليه السلام" يوم الخذلان فارتوى حبا حين أظماه الظالمين بغضا , أم الأحزان والنائبات تلوّت على وسادة الحنين والأنين من لوعة الهجرة والفراق يغوص شوقها في بحر ليالي الغربة تزفر حسرات تتبعها عبرات أنينها واحسيناه واولداه ,وإيثارها قبلة يطوف حولها السخاء بإحرام النقاء وانحنى الوفاء خضوعا لتبتلها وهوى الكبرياء ساجدا لهيبتها , انها العطاء تنثر المحبة والخير على قواحل القلوب كمدرار السماء حتى أصبحت بابا لولوج المسئلات وإجابة الدعوات .
السلام عليك يا زوجة وصي رسول الله , السلام عليك يا عزيزة الزهراء , السلام عليك يا أم البدور السواطع يا فاطمة بنت حزام الكلابية ورحمة الله وبركاته اًشهد الله ورسوله أنك جاهدت في سبيل الله ، إذ ضحيت بأولادك دون الحسين ابن بنت رسول الله , وعبدت الله مخلصة له الدين بولائك للأئمة المعصومين , وصبرت على تلك الرزية العظيمة , واحتسبت ذلك عند الله رب العالمين , فسلام الله عليك كلما دجن الليل وأضاء النهار , فصرت قدوة للمؤمنات الصالحات لأنك كريمة الخلائق تقية زكية , فرضي الله عنك وأرضاك , وجعل الجنة منزلك ومأواك.