المكتب الخاص / النجف الاشرف
على وعورة الاحزان، تمضي قافلة الاسى، لتبقى مسيرة الدموع، تحث الخطى، على سطور الايام، ترسم حروف الهجران، بقوافي الالم والاحزان، لتنحني الظهور، وترتفع راية للجور، فتغرس ساريتها بالأكباد النازفة، ثم لتعبث انامل البغي، بعقارب الزمن، لتؤرخ مواقيت المحن، مواقيت كئيبة، تمكث في اروقة القلوب، تصطحب معها اللوعة، ليرتفع صخب الوداع، وتنبثق حقبة الضياع، وتمزق لوحة الامل، فتنتشر اشلائها على ثرى الفجيعة.
رحل الامام، يحدوه شوق اللقاء، بخير الاجداد والاباء، حاملا معه شكواه، تتبعها بلواه، وكبد مغرورق بالدم، وسم بغي لم يرحم، وصور الماسي حاضرة، كانه كان يعيشها، تجول بين ثنايا الذاكرة، صور اليمة، من الاشلاء المتناثرة، والسبايا الحائرة، وخيام اكلتها النار، ولم يهفت لهيبها، يصدح منها صوت الدمار، وحوافر الخيل ترض الصدور، ورؤوس تقطر منها الدماء، رؤوس عالية، شاخصة كأنها الاقمار، وصبية سحقتهم سنابك الخيل، وضاعوا في بطون الليل، ورمال كفّنت وجه الشمس، ورماد اصبح أثراً، لديار الأطهار.
مضى الصادق، كالشمعة الذائبة، رحل ضوئها، ليلتحق بحجر النقاء، في واحة البر، مع الاتقياء، اشتاق الوجود لنوره، ليرتشف منه ، رحيق البقاء، نور يجري كالماء، عطشت له سدرة المنتهى، واكتحلت به اعين السماء، فلثمت ثغره ثنايا الايمان، وحفت به اكف التقى، واحتضنته ارواح الانبياء، تربع على عرش من عروش الصبر، بمقعد صدق عند مليك مقتدر.
لم يزل خيط فجره، بالوعد صادقا، بازغا في قلوب المحبين، تتنفس منه ارواحهم، نسائم الصباح، صباح الاولياء، يفوح منها عطر الخالدين، وعلوم تعبّد طرق السماء، تصطف على ادراجها، كراديس الموالين، يرفعون اكفهم نحو السماء، تردد حناجرهم نشيد الذكر والدعاء، ولم تزل خطاه الواثقة، بوصلة الفلاح، يقتدي بها، من استحق الرحمة، في سفينة النجاة، ركب السعداء، سفينة معطاء، تشق بحور الظلمات، سترسو غدا على ساحل النجاح.
يا قاهر عروش الظلم، بالوان الصبر والحلم، لم تزل بسمة رضاك بالقضاء والقدر، كهف يلوذ به المستضعف، ودرع يتقي به الجزع والغم ، بل هي انطلاقة لنهضة ضد الظلم، وارادة يشحذ بها الهمم، ولم تزل علومك الفضلى، خارطة نحو النجاة، يتبع اثارها الاولياء، ينسجون من خيوطها، معراجا للسماء، وتبقى سيرتك الوضاءة، سراجا منيرا، في كل جيل، ينير ظلمة الزمن، ليبقى فجر الانسانية، نيرا رغم المحن، ينثر الامل من وجهه المشرق، وتزدهر واحات الطمأنينة، في ربوع الوطن.
وسلام عليك ايها الامام، من هذه القلوب التي تنزف دما، وهي تنبض لحظات الرحيل، وارواح تصرخ بصوت الألم، لشدة الشوق، ونداء خفي، يتأوه تحت الدموع، وحسرة سجينة في الصدر، لم تعهد غير الوداع.